السهر، الإغراق في استهلاك الكماليات، القروض، هذه الثلاثة التي أصابت مجتمعنا وتمكنت منه حد التحكم والسيطرة في صورة آخذة في التفشي والاتساع والانتشار، الأمر الذي يتطلب معالجتها بكثير من العناية والاهتمام والتركيز. فما يحدث من حركة دائبة في شوارعنا وأسواقنا وبيوتنا حتى الساعات المتأخرة من الليل وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي أمر في غاية الغرابة والعجب، إذ إنها - رغم سوئها - صارت لا تقتصر على الإجازة الأسبوعية أو الصيفية، بل أضحت تمتد لتشمل أيام العمل والدراسة من بداية الأسبوع حتى نهايته طوال العام، ولتشمل أيضا جميع الفئات العمرية من الجنسين من الأطفال الرضع إلى الشيوخ والعجائز، فما الذي حدث في مجتمعنا وقلب نظامه اليومي رأساً على عقب؟! وإلى متى هذا العبث الذي أعطب الساعات البيولوجية في أجسامنا وأصابها في مقتل؟ كم من الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية ستصيب أفراد المجتمع جراء هذا السهر غير المبرر؟! وكيف سينعكس هذا السهر اليومي على الحالة الإنتاجية للموظفين والطلاب في اليوم التالي؟ بالتأكيد فنحن بحاجة ماسة إلى إعادة هندسة المجتمع السعودي إزاء هذه الظاهرة السيئة والمقلقة. الظاهرة الثانية التي تمكنت من مجتمعنا حد التشبث هي الإغراق في استهلاك الكماليات، هذه الكماليات التي تدعمها آلة إعلامية ضخمة ومؤثرة زادها سوءاً التحول في ذهنية الفرد نحو التقليد والمباهاة والمفاخرة، دون مراعاة لوضعه المادي وميزانية أسرته الشهرية والسنوية. هذا الإسراف والتبذير في مختلف شئون الأسرة الحياتية أثر بشكل مباشر على مشاريع الأسرة المستقبلية، ما أدى إلى توقفها أو تعثرها وفي أحسن الأحوال تأخرها لسنوات طويلة، وليس ثمة إشراق صباحي لهذا الليل المعتم الذي أجهز على النظام المالي للأسر، من هنا باتت إعادة هندسة المجتمع السعودي في هذا الجانب ضرورة لا تحتمل التأخير. وتبقى القروض هي (ثالثة الأثافي)، إذ إنها لم تبق ولم تذر من موظفي القطاعين العام والخاص إلا وقد أوقعته في شباكها، ونسب قروض الأفراد وحجمها تجاوزت المائتي مليار ريال، كما تقدره الإحصائيات الأخيرة، والحق ان زيادة استهلاك القروض وبهذه الوتيرة المستمرة والمتسارعة عبر صعود حاد لخطها البياني تعطي دلالة عكسية عن سلامة المجتمع، وليت أن القروض التي يأخذها الموظف لأجل أمر طارئ أو ضروري، فما يحدث الآن أن التسهيلات المصرفية جعلت الموظف يتجه للقروض وكأنه منوم مغناطيسي ليكبل نفسه ويرهن راتبه للحسم الشهري الصارم، والسبب رغبته في توفير السيولة بين يديه للسياحة والسفر أو لاقتناء سيارة فارهة!، والنتيجة هي أنه سيضطر بعدها إلى الدوران في حلقة مفرغة ستفضي به إلى أن يكون أسيراً للقليل المتبقي من الراتب، في ظل متطلبات حياتية ومعيشية تزداد بمتواليات هندسية، وهنا بلا شك تصبح إعادة هندسة المجتمع السعودي من الأولويات المهمة. وفي تقديري، فإن إعادة هندسة مجتمعنا تحتاج إلى أمرين مهمين: الفرد، وضرورة أن يكون واعياً ومدبراً وأن يتحلى بالمسئولية الفائقة تجاه أموره الحياتية، وكذلك الجهات المعنية في سن القوانين واتخاذ الإجراءات بما يتناسب مع ما طرأ على مجتمعنا من تبدلات وتغيرات ومستجدات.