< رسمت السينما والدراما العربية خصوصاً المصرية منها صورة ذهنية سلبية عن الموظف الحكومي، فهو غالباً ضعيف الحال لانخفاض الأجور، أو هو مرتشٍ، أو فاسد، وفي أحسن الأحوال هو معقد ليس على لسانه في مصر ولبنان والسعودية ومعظم الدول سوى عبارة «راجعنا بكرة». هذه الصورة التي كرست لعقود من الزمن تغيرت نسبياً، تطورت وتحسنت في بعض الدول بسبب التقنية من جهة، وبسبب تصاعد قيمة المواطن المستفيد من هذه الخدمات، أو بسبب شدة وحرص القيادة في هذا البلد، لكن الطريق لا تزال طويلة، وتحتاج إلى المزيد لمسح هذه الصورة نهائياً. في السعودية ينطلق بعد أسبوعين من الآن في الرياض مؤتمر «ثقافة خدمة العملاء في القطاع الحكومي» الذي تنظمه وزارة الخدمة المدنية لتقديم رسالة مفادها «الإسهام في بناء ثقافة خدمة عملاء مميزة في القطاع الحكومي لتلبية حاجات ورغبات العملاء والعمل على تجاوز توقعاتهم»، وهي رسالة طموحة، فرغبة الناس هي تلبية حاجاتهم أما تجاوز توقعاتهم فهي مرحلة متقدمة يسهل التنظير في شأنها لكن يصعب كثيراً الوصول إليها. وفكرة معاملة المواطن أو المقيم المراجع للجهة الحكومية كعميل كما في القطاع الخاص يمكن أن تنجح إذا فكر وعمل القطاع الحكومي مثل القطاع الخاص، والمشكلة غير محددة الملامح هي في الثمن في مقابل الخدمة، فالحكومة ترى أن معظم خدماتها مجانية لأنها لا تأخذ ضرائب من المواطنين، والمواطنون يعتقدون أن معظم الخدمات اليوم تقدم برسوم، بعضها رمزي بلا شك، لكن هذه الرمزية لا تنفي دفع مقابل مادي لبعض الإجراءات والرخص والسجلات وخلافها. المراقب المنصف يعترف للسعودية بتطور خدماتها الحكومية عبر الإنترنت قياساً بدول عربية كثيرة، لكن تظل الخدمات المباشرة المقدمة في بعض الدوائر الحكومية متسمة بالروتين وإضاعة الوقت، وهو ما يبدو لي أن المؤتمر يسعى إلى الوصول إلى حلول وتوصيات لتحقيق الأفضل. إحدى مشكلات الجهات الحكومية التي تحصل الرسوم أن مداخيلها تذهب للخزانة العامة، ولا يمكنها استخدام جزء منها في تطوير الموظفين، أو مكافأة من ينجح منهم في إيصال إحساس «العميل» للمواطن المراجع، وهذا مما يجدر بالمؤتمر النظر فيه والتوصية بتغييره. يقول بيان المؤتمر الإعلامي: «إن بناء وتعزيز ثقافة خدمة العملاء في القطاع الحكومي أصبحت ضرورة ملحة أكثر مما مضى، وذلك لمواكبة تطلعات حكومة المملكة العربية السعودية نحو رفع مستوى جودة الخدمات الحكومية ومقابلة الارتفاع المتزايد لتوقعات العملاء، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة» وهذا تعبير «حكومي» مفهوم، وأضيف عليه أن تحسين الخدمات وأسلوب تقديمها للناس أصبح جزءاً من الأمن الوطني العام، إذ إن وسائل النقد لم تعد تحت السيطرة الرسمية كما في الإعلام الرسمي، بل باتت اليوم في فضاءات مفتوحة ومتشعبة، ولم يعد في الإمكان سوى النجاح الحقيقي والفعلي الذي يتفق عليه الناس، وهناك أمثلة حية يستشهد بها السعوديون مثل تطوير الخدمات وتسهيلها لمراجعي الديوان الملكي، أو تحسين الرقابة والحماية في وزارة التجارة، وهما مثالان حيان يمكن الاسترشاد بهما. mohamdalyami@