عند تصفح الأخبار الاقتصادية هذه الأيام، لابد ان تقع العيون على أخبار البرازيل التي اخذ ظواهر الكساد الاقتصادي تتضح صورته وضوحاً في اقتصاد، كان يعد أحد روافع نمو الاقتصاد العالمي بعد الأزمتين التي مرتا على دول العالم: أزمة القطاعين العقاري والمالي في الولايات المتحدة الأمريكية في 2008 2009 وأزمة الديون السيادية في منطقة اليورو في 2011 2012. لاشك ان عوامل اقتصادية خارجية وداخلية تداخلت وتشابكت في تشكيل أزمة اقتصادية حادة، تعيش البرازيل في قلبها، حيث تتمثل الدوافع الخارجية لهذه الأزمة بصورة عامة في تآكل قدرة الدول الناشئة في تحريك نمو التجارة الدولية حيث تباطؤ النشاط الاقتصادي في اسواقها للعام الخامس على التوالي بعد أن كانت رافعته وقاطرة نموه. ويضاف إلى ذلك، رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيع السياسة النقدية الأمريكية ونيتها في رفع معدل الفائدة نتيجة تعاظم قيمة الدولار، وناهيك عن تراجع معدلات النمو في اقتصاد الصين ورغبتها في التحول من سياسة تراهن على الاستثمار والصادرات إلى توجه آخر يقوم على الاستهلاك والخدمات. لقد عرفت البرازيل خلال عقد من الزمن 2003 2013 تقدماً اقتصادياً واجتماعياً، ادى إلى تراجع معدل الفقر وتقلص التفاوت في عدم المساواة بصورة واضحة لأكثر من 26 مليون شخص، حيث انخفض معامل جيني من 6 بالمائة إلى 0.54 بالمائة، كما ارتفعت أجور 40 بالمائة من المواطنين بمتوسط 6.1 بالمائة بمعدل حقيقي خلال الفترة 2002 - 2012 مقارنة لمعدل نمو في الدخول بمعدل 3.5 بالمائة لمجموع السكان. وبالرغم من هذا التطور الاجتماعي الذي تحقق، ظل الفقر وعدم المساواة دون تغير منذ 2013. كما لازال يعيش قرابة 9 بالمائة من السكان بدخل أقل من 1.3 دولار يومياً، بمعنى تحت خط الفقر العالمي. إضافة إلى ذلك، عرف الناتج المحلي الاجمالي تباطأً من 4. 5 بالمائة خلال الفترة 2006 - 2010 إلى 2.1 بالمائة للأعوام 2011 - 2014. واصبح هذا الناتج لا يتجاوز 0.1 بالمائة عام 2014، في حين ظل معدل التضخم عالياً، ووصل إلى 6.4 بالمائة في نهاية 2014. وفقاً للمعهد البرازيلي للجغرافيا والإحصاء، شهد الاقتصاد البرازيلي نمواً خلال الاشهر الثلاثة الاولى من عام 2015 قدرها 0.2 بالمائة. وجاء هذا التهور نتيجة للأداء السيئ لقطاع الصناعة والخدمات، فضلاً عن انخفاض استهلاك الأسر. وتأكيداً على هذا الانكماش الاقتصادي، تعرف الصناعة البرازيلية عدداً من التحديات في الفترة الراهنة منها ارتفاع معدل البطالة، وتبين الأرقام إلى ارتفاع هذا المعدل من 4.9 بالمائة في يوليو 2014 الى 7.5 بالمائة لشهر يوليو هذا العام. ويتوقع أن يصل معدل البطالة الى 10 بالمائة في نهاية عام 2015، حيث اتخذت ما يقارب 60 في المائة من الشركات في القطاع الصناعات التحويلية للحد من الانتاج في الاشهر الأخيرة بما في ذلك تسريح العمال وإجبار الآخرين على إجازة اجبارية وفقا للاتحاد الوطني البرازيلي للصناعة. ونتيجة للصعوبات الاقتصادية وتراجع عائدات الضرائب وتصاعد أرقام الانفاق الحكومي اضطرت الحكومة البرازيلية إلى تخفيضات متتالية في الميزانية العامة حتى تتمكن من سداد ديونها المتراكمة، وقد وضعت ميزانية العام القادم بعجز اثار جدلاً مثيراً في البلاد، أي خفضت الحكومة البرازيلية من أهدافها من أجل تقليص النفقات وتحقيق فوائض مالية للميزانية العامة الحالية والمستقبلية، وتنفيذاً لسياسة التقشف. وزيادة لتلك الصعوبات، تعاظمت مخاطر الاستثمار الخارجي نتيجة تخفيض وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني لاقتصاد البرازيل في شهر سبتمبر الماضي الى درجة غير استثمارية او ما يطلق عليه خردة، الذي يقود إلى تسريع تدهور في قيمة العملة وبالتالي يعيق تحقيق السياسات التصحيحية التي تستهدفها الحكومة البرازيلية. وعلى الرغم من عدم دخول الاقتصاد البرازيلي مرحلة أزمة شاملة، إلا أن هذه المحنة لا تقدر على إخفاء قضايا الفساد التي تورط فيها سياسيو التحالف الحاكم في البرازيل. هذا الفساد الذي صدع التأييد الشعبي وهدد قبضة الطبقة الوسطى - الدنيا التي برزت مع الازدهار، وبالتالي ضعضع قبضة رئيسة البرازيل ديلما روسيف على السلطة منذ 13 عاماً.