مع تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن تأييد مبادرة نيوزيلندا، الهادفة إلى دفع مشروع قرار في مجلس الأمن، يدعو إلى استئناف المحادثات الإسرائيلية - الفلسطينية، وجه ضابط إسرائيلي كبير في الجيش الإسرائيلي، انتقادا مبطنا وقال إنه في غياب مبادرة لحل سياسي لن تتوقف الموجة الحالية من العنف والتوتر وقد تتدهور أكثر. وقال هذا الضابط إن «الجيش لا يرى حلاً في الأفق، مع أن أبو مازن (الرئيس الفلسطيني، محمود عباس)، يحاول تهدئة الوضع، لكن دون مبادرة سياسية لا يبدو الأمر ممكنًا». وكان وزير خارجية نيوزيلندا، موري مكولي، قد اجتمع إلى رئيس نتنياهو وأبو مازن، كل على حدة، وأطلعهما على مجموعة أفكار ينوي بلورتها في مشروع قرار يطرح في مجلس الأمن الدولي، يطالب إسرائيل بتجميد البناء في المستوطنات ووقف عمليات هدم البيوت الفلسطينية، فيما تطالب الفلسطينيين بالامتناع عن خطوات ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، وذلك في إطار سلسلة من خطوات بناء الثقة بين الجانبين تمهيدًا لاستئناف المفاوضات السلمية. وتبين أن نيوزيلندا، العضو غير الدائم في مجلس الأمن، كانت تنوي تقديم هذا الاقتراح قبل عدة أشهر، عشية الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، ولكنها تراجعت عن ذلك بطلب أميركي. وعلى خلفية التصعيد الأمني في الشهر الأخير، في موضوع الحرم القدسي، قررت الحكومة النيوزيلندية استئناف المبادرة وقامت بنشر مسودتها بين أعضاء مجلس الأمن. وقبل أن تطرح على المجلس تم إطلاع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على مضمونها. وخرج مكولي من لقائيه مع الرئيسين بأنهما يوافقان على المشروع. ولكن مع نشر الموضوع في إسرائيل، ارتدع نتنياهو، وخشي من رد فعل حلفائه في الحكومة من اليمين المتطرف والممثلين المباشرين عن المستوطنين. وأعلن مسؤول رفيع أن حكومة إسرائيل حولت قبل عدة أيام رسالة إلى الحكومة النيوزيلندية تعلن فيها معارضتها للمبادرة. وقال المسؤول الرفيع، في حديث نشرته صحيفة «هآرتس»، أمس، إن رئيس قسم التنظيمات الدولية في وزارة الخارجية الإسرائيلية اتصل في مطلع الأسبوع بسفير نيوزيلندا في تل أبيب، جونثان كار، وأوضح له بأن إسرائيل تتحفظ من انشغال مجلس الأمن الدولي في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وتعتقد أن الوضع الحالي، على خلفية موجة الإرهاب، لا يلائم مثل هذه الخطوة. وفي يوم أمس، خلال مؤتمر في الكلية الأكاديمية في مدينة نتانيا، أطلق الجيش تلميحا آخر يدل على اختلافه مع مواقف الحكومة. فأشار العقيد غاي غولدشطاين، نائب منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية، إلى تقدير الموقف الذي يعرضه الجيش على الحكومة في الغرف المغلقة، وهو ضرورة المبادرة لحل سياسي ينهي الموجة الحالية ويعيد تهدئة الأوضاع. وقال إنه «من دون حل سياسي لن تهدأ الموجة الحالية، قد تخف وطأتها، لكنها لن تتوقف». وذكر غولدشطاين أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، «لا ينتهج سياسة تحرض على العنف والإرهاب، بل على العكس، هو يحاول التهدئة أيضًا، لكن من دون مبادرة لحل سياسي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لن تتوقف الموجة الحالية». وأمعن غولدشطاين في رسم مخاطر الاستمرار في الوضع الحالي فقال إنه «حتى لو خفت وطأة التصعيد الآن أو توقفت العمليات، فهذا لا يعني أن الموجة انتهت، فنحن نجلس على برميل بارود متفجر، ومن دون حل سياسي سنبقى نواجه ما نواجهه اليوم». وأضاف: «إسرائيل تواجه صراعًا متواصلاً قد تتصاعد وتيرته ويحدث تغييرات في الساحة الفلسطينية، وحتى لو كانت تهدئة معينة على صعيد العمليات، من دون مبادرة سياسية تبقى كل الظروف متوفرة للانفجار، والخوف الأكبر هو أن تفقد السلطة الفلسطينية السيطرة على مناطق نفوذها، وعندها لا يمكن التنبؤ بما قد يحدث». من جهتها حذرت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها الرئيسية، أمس، من ازدواجية خطاب نتنياهو. وقالت: «لقد عرض هذا الأسبوع، أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، رؤيته السياسية لهذه المرحلة، وقال إنه لا يريد دولة ثنائية القومية، ولكن «يجب على إسرائيل أن تسيطر على الأرض في المجال المنظور». كما شرح نتنياهو بأنه مستعد لتقسيم البلاد، ولكن «في الجانب الثاني غير مستعدين لذلك»، وقال إن الشرق الأوسط متأثر بتيارات دينية ومتشددين يحبطون إمكانية السلام. موقف نتنياهو، كما يظهر، لا يعتبر متطرفًا. غالبية الجمهور اليهودي في إسرائيل يتقبله - حسب استطلاعات كثيرة أجريت خلال الـ15 سنة الأخيرة منذ قمة كامب ديفيد. الغالبية تدعم فكرة قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، ولكنها تعتقد في الوقت ذاته، أن الفكرة ليست عملية لأنه «لا يوجد شريك» في الجانب الثاني. هذه الغالبية، ومن ضمنها نتنياهو، تعارض، أيضًا، فكرة الدولة ثنائية القومية التي تمنح المساواة في الحقوق لكل سكانها اليهود والفلسطينيين. نتنياهو يتمسك بهذا الخط طوال فترة حكمه: موافقة كلامية على تقسيم البلاد، تميزه عن اليمين المتطرف وقادة المستوطنين، إلى جانب سياسة عملية تحبط إمكانية تحقيق هذا التقسيم. لقد رفض نتنياهو بشكل متواصل الحديث مع الفلسطينيين عن الحدود المستقبلية، وطالبهم بالاعتراف بالدولة اليهودية، وطور ووسع المستوطنات في الضفة الغربية، وعرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس كمحرض وعدو. في الحياة الحقيقية، خارج خطاباته يبدي نتنياهو استعداده لإجراء محادثات واهية مع الفلسطينيين، أو «خطوات لتقليص الاحتكاك»، دون أن يتخلى عن السيطرة على الأرض. في تصريحه هذا الأسبوع، اعترف نتنياهو بالسيطرة الإسرائيلية المطلقة على كل المناطق وأزال القناع المزدوج «للسيطرة الحربية المؤقتة» - الذي تعرضه الدولة منذ عشرات السنوات في المحكمة العليا - ولقيام السلطة الفلسطينية كمتمتعة ظاهرا بالحكم الذاتي وتدير شؤون السكان كما تدعي الدعاية الإسرائيلية. يمكن التوصل إلى استنتاج واحد فقط من معارضة نتنياهو للدولة الثنائية القومية: «طالما تواصلت (سيطرة إسرائيل على الأرض) سيبقى ملايين الفلسطينيين في المناطق في مكانة متدنية كرعايا يفتقدون إلى حقوق المواطنة التي يتمتع بها دون أي عائق جيرانهم اليهود في المستوطنات». هناك اسم للنظام الذي وصفه رئيس الحكومة في رؤيته وهو «الأبرتهايد».