×
محافظة المنطقة الشرقية

وزاري فيينا يفشل مجدداًفي حل عقدة الأسد

صورة الخبر

قراءة سريعة في نتائج الجولة الأولى تشي بأنها ـ مثل كل الانتخابات ـ أسفرت عن رابحين، وخاسرين، ولكن هذه المرة اختصت حزمة الخسائر برهانات أثبتت النتائج أنها كانت مجرد أوهام وأساطير لا قيمة لها على أرض الواقع، فيما وجهت النتائج نفسها العديد من الرسائل إلى أكثر من جهة في الدولة والمجتمع، ما يجعلها بحق جولة الرسائل المتعددة والرهانات الخاسرة. جرت الجولة الأولى من المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية المصرية في 14 محافظة من محافظات مصر البالغة 27 محافظة، ويبلغ عدد الناخبين فيها 27 مليوناً و402 ألف و353 ناخباً، وكان عدد الذين أدلوا بأصواتهم 7 ملايين و270 ألفاً و594 ناخباً بنسبة حضور 26.56 في المئة، وتنافس فيها المرشحون على 226 مقعداً في النظام الفردي و60 مرشحاً في نظام القوائم. أولى النتائج البارزة أن معركة القوائم حسمت، حيث حصدت قائمة في حب مصر مقاعد القوائم ال60 من الجولة الأولى، فيما تمكن 4 مرشحين فقط من الفوز بالمقاعد في هذه الجولة، من أصل 2548 مرشحاً، بينما تجرى جولة الإعادة التي بدأت أمس في جميع دوائر النظام الفردي (103 دوائر انتخابية). كشفت العملية الانتخابية عن ضعف نسب المشاركة على مستوى المرشحين، فمن 10251 مرشحاً في انتخابات البرلمان في 2011 تراجع العدد إلى 7416 مرشحاً في المحاولة الانتخابية في مارس/آذار 2015 ثم إلى نحو 5500 مرشح في الانتخابات الراهنة، منهم 2788 مرشحاً في المرحلة الأولى، من بينهم 2548 مرشحاً فردياً والباقون من المنتمين للقوائم، وعكس هذا العزوف عن الترشيح نفسه في العزوف عن التصويت، حيث لكل مرشح عائلة أو قبيلة أو جهة سياسية أو حزبية تدعمه. الفارق الأهم بين التجارب السابقة والتجربة الحالية تبدى في غياب ماكينة التزوير، التي اختفت بعد قيام ثورة يناير 2011، ولم ترصد أي عمليات تزوير واسعة كتلك التي كانت سمة رئيسية في انتخابات البرلمان خلال العقود الماضية، فيما اعتبرت نسبة الإقبال المنخفضة نسبياً عن مثيلاتها بعيد ثورة يناير رسالة إلى كل من يهمه الأمر، ولعل النظام الانتخابي الهجين بين القوائم المطلقة إلى جانب الترشيح على المستوى الفردي، من أهم العوامل التي ساهمت إلى حد كبير في إرباك المشهد التصويتي، الأمر الذي اتضح في سؤال الناس من ننتخب؟ وكيف ننتخب؟ وكم العدد الذي ننتخبه؟، ما أدى إلى أن كثيرين عزفوا عن المشاركة في الاقتراع، كما ساهم عزوف الشباب بصفة خاصة في ضعف الإقبال بصورة عامة، وهي الفئة التي لم تجد نفسها ممثلة في الترشيحات، فيما عادت وجوه قديمة من الحزب الوطني المنحل إلى صدارة المشهد السياسي في ظل هجوم إعلامي شرس من بعض القنوات الفضائية على ثورة يناير والمشاركين فيها أغلبيتهم كانت من الشباب الغاضب. تعددت رسائل الشارع المصري إلى النخب والأحزاب والدولة، وكشفت رسائل الشارع عن خواء الأحزاب السياسية قديمها وجديدها، والتي لولا تحالفاتها التي احتوتها القوائم لجاء البرلمان في مجمله من المستقلين، الذين يتصدرون بنسبة تصل إلى 54%، بينما تشترك جميع الأحزاب في نسبة تقل عن 46% من عدد المرشحين الذين سيخوضون جولة الإعادة، وهي رسالة تستوجب إعادة صياغة الحياة الحزبية على قواعد وقوانين تستهدف تمكين الأحزاب من التواصل مع الناخبين، وتستبعد الأحزاب الورقية التي ثبت أنها غير جديرة بالبقاء، خاصة تلك الأحزاب التي تحولت إلى كيانات تاريخية غير صالحة للاستمرار تعبيراً عن الشارع بعد ثورتين كبيرتين في يناير 2011 ويونيو 2013، ولعل الأمر يستوجب ولادة كيانات حزبية أفضل تعبيراً عن الأوزان السياسية في الشارع. أبرز الأحزاب التي خيبت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات توقعاتها هو حزب الوفد الذي دخلها ممنياً نفسه بالمنافسة على الأكثرية داخل البرلمان القادم فلم يستطع إلا الحصول على 27 مرشحاً منه يدخلون جولة الإعادة، في المقابل، تصدّر حزب المصريين الأحرار، الذي يتزعمه رجل الأعمال نجيب ساويرس، قائمة المرشحين الحزبيين بعدما تمكن من خوض الإعادة ب46 مرشحاً، وقد حصد أول خمسة مقاعد عن طريق قائمة في حب مصر. وثمة اتهامات للحزب بدفع رشى وأموال للمرشحين، علماً بأنه من أكثر الأحزاب تمويلاً. حزب الحركة الوطنية الذي يتزعمه الفريق أحمد شفيق انتهت به الجولة الأولى بنتائج هزيلة للغاية سواء له أو لتحالفاته في إطار الجبهة الوطنية التي انتقدت العملية الانتخابية وهددت بالانسحاب منها، وعملياً فإن كل ما قيل عن قوة الحزب لم تتم ترجمته إلى نتائج على الأرض، وهو ما يلقي بعلامات استفهام كثيرة حول مستقبل هذا الحزب إذا استمر بنفس الأداء في الجولة الثانية. مفاجأة الجولة الأولى، تمثلت في حصول حزب مستقبل وطن الذي أسّسه رئيس اتحاد طلاب مصر السابق، والذي يتحدث بعض الناس عن أنه مقرّب من الرئيس عبد الفتاح السيسي، على نسبة كبيرة في جولة الإعادة، فبخلاف المقاعد الخمسة التي حصدها داخل قائمة في حب مصر، حصل على مقعد فردي من الجولة الأولى، وتمكن 48 مرشحاً له من دخول جولة الإعادة. ومن النتائج الإيجابية التي انتهت إليها الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية أن نحو 22 قبطياً تمكنوا من الوصول إلى الإعادة في الجولة الثانية، بل إن أحدهم دخل الإعادة على مقعد رئيس مجلس الشعب السابق الإخواني محمد سعد الكتاتني، ما يجعل هذه النتائج الأفضل على الإطلاق منذ سنوات، ولا سيما أنها ليست على مقاعد الكوتة التي كانت تخصص للأقباط في الانتخابات السابقة. على جانب آخر، أكدت المرأة المصرية موقعها المحوري وثقلها في حضور لافت ومؤثر، وحققت تفوّقاً ملحوظاً في القوائم وفي المقاعد الفردية، حيث تدخل نحو 15 امرأة جولة الإعادة، منهن 6 في محافظة الجيزة وحدها. تعددت الرسائل وتنوعت الرهانات الخاسرة، وأولها رهان الجماعات الإرهابية التي فشلت في أن تؤدي عملياتها الإرهابية إلى وقف الانتخابات، وخسرت رهانها الدموي، فيما نجحت أجهزة الأمن من الجيش والشرطة في أن تمر المرحلة الأولى من دون أي حدث خطر لافت أو كبير، حتى من تلك النوعية، التي كانت تقع أمام المراكز الانتخابية في العقود السابقة. رهان آخر مني بالخسارة في الجولة الأولى وهو الرهان الذي تبناه بعض رجال الأعمال الذين توهموا أنهم قادرون على احتلال مقاعد كثيرة في البرلمان، وجاءت النتائج المبدئية تشير إلى أن تحقق هذا الأمر غير ممكن عملياً، حتى وإن حدث بعض الاختراق في الجولة القادمة فسوف تكون المحصلة أقل كثيراً عما راهنوا عليه، وهي الخسارة التي سقطت معها كثير من الأوهام والخرافات والمخاوف، خصوصاً تلك التي تحدثت عن إمكانية سيطرة رجال الأعمال على مجلس النواب، بل إن بعضهم مثل أحمد عز لم يستطع الترشح أصلاً لأسباب قضائية. رهان الحكومة على أن نزول الناخبين بأعداد كبيرة يعد تجديداً للثقة في النظام، تضرر بدوره بشدة بسبب ضعف إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، حيث لم تزد نسبة التصويت على 26.5%وهي أقل كثيراً من نصف الذين ذهبوا في انتخابات 2011، التي بلغت 62%، وقد أرسل ضعف الإقبال بإشارة غاية في السلبية عن وجود بيئة سياسية غير مشجعة لأغلبية قوى المجتمع الحية، كما خسرت الأحزاب السياسية رهانها على حشد مناصريها، في الوقت الذي لم تنجح في تقديم كوادر حقيقية تؤمن بأفكارها وبرامجها، ولجأت إلى شراء مرشحين جاهزين معظمهم كان محسوباً على الحزب الوطني، وجاءت النتائج لتؤكد أنه لن يكون لأي منها حصة حاكمة داخل مجلس النواب كما كانت تأمل. واحدة من أهم هذه الرسائل المدوية التي أسفرت عنها نتائج المرحلة الأولى قصدت التيارات والأحزاب السياسية المصرية المختلفة في مصر، وهناك إجماع على أن أحد أكبر الرهانات الخاسرة تتعلق بحزب النور السلفي، حيث خسر في معقله الأساسي بالإسكندرية والبحيرة ومطروح، رغم أنه حصل على نسبة تصويت كبيرة نسبياً، حوالي 38% حسب أرقام قياداته، إلا أنه خرج صفر اليدين من معركة القوائم، حيث جرت المنافسة على قوائم مغلقة وليست نسبية، فيما نجحت قائمة في حب مصر في حصد مقاعد القائمتين، وانحسرت منافسة الحزب السلفي في جولة الإعادة على 23 مرشحاً فردياً متراجعاً عن عدد من الأحزاب المدنية الأخرى. وإن كانت خسارة حزب النور متمثلة في تراجع نسبة تمثيله في مقاعد البرلمان القادم إلا أن جماعة الإخوان قد خسرت رهانها على أن الانتخابات لن تتم، الأمر الذي يحرج النظام السياسي دولياً ومحلياً، وقد حاولت أبواقها الإعلامية استغلال ضعف الإقبال في اليوم الأول وتوظيفه للمطالبة دولياً بإلغائها، لكن استمرار عملية الانتخابات وضعها في موقع الخاسر الأكبر.