يقولون أن الإرهاب مشكلة القرن الحادي والعشرين، وقد اقتصر الإرهاب في عرف العالم اليوم على تلك التنظيمات والجماعات التي تمارس العنف، ولكن الأمر أعمق من هذا وأبعد بكثير، فلم يتفق العالم بعد على تعريف واضح وشامل للإرهاب، كما لم تصدر الأمم المتحدة عبر مؤسساتها المختلفة أية وثيقة بالخصوص، ولكن اختلف الشرق والغرب على تعريفه، فكل يراه من منظور يحقق مصالحه وأهدافه، والحقيقة التي لا يمكن لأحد أن ينكرها أن الإرهاب عملة ذات وجهين، أولهما الإرهاب المادي وهو الإفراط في العنف الذي تمارسه الجماعات المتطرفة دينية وغير دينية، وما ينسحب على الجماعات والتنظيمات الدينية المتطرفة ينسحب بالضرورة على الكثير من الأنظمة الفاشية التي تمارس القهر والإذلال والعنف المادي ضد شعوبها، ممثلا في الإختطاف والإختفاء القسري والإعتقالات وإغتيال المعارضين، وهو ما عرّف عبر العلوم الإنسانية بأنه الاستعمال المتعمد والمنتظم لوسائل من طبيعتها إثارة الرعب بقصد تحقيق أهداف محددة أو ترويع الناس بأعمال العنف المباشر، وأقرب الأمثلة إلى ذهن شعبنا العربي تلك الأعمال المجرمة التى تمارسها الجماعات التكفيرية والتنظيمات الإرهابية المسلحة التي خرجت عن بكرة أبيها من جماعة الإخوان المسلمين، والتي امتدت لأكثر من ثمانية عقود، وشاهِدُنا على ذلك إغتيال أحمد ماهر رئيس وزراء مصر في 24 فبراير 45، والخازندار في 22 مارس 48، والنقراشي في 28 ديسمبر 48، ومحاولة اغتيال خالد الذكر جمال عبد الناصر بمنشية البكري بالإسكندرية في 26 أكتوبر 54، وغيرها الكثير حيث تصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية في حوادث الفتنة الطائفية في مصر فتم اغتيال رفعت المحجوب في 12 أكتوبر 90، وتم استهداف السياح الأجانب بالأقصر في 17 نوفمبر 97، واستهداف كنيسة القديسين في 1 يناير 2011، ولم تتوقف العمليات الإرهابية أيضا عقب ثورة 25 يناير وتنحي مبارك عن الحكم في 11 فبراير إبّان تولي المجلس العسكري إدارة البلاد حتى 30 يونيو 2012، وتوغل الإرهاب في مصر في أبشع صوره حيث تولى الإرهابي محمد مرسي مقاليد الحكم، وكان ذلك اشارة البدأ لتمكين كل التنظيمات الإرهابية من التغلغل في مصر، وجاءت مذبحة رفح الأولى في 6 أغسطس 2012 إبّان حكم المعزول مرسي مؤشرا خطيرا على تفشي الإرهاب، وجاءت أحداث الإتحادية في 5 فبراير 2012، عقب إعلان الإرهابية الإعلان الدستوري، دليلا على أن مصر دخلت عنق الزجاجة، ولقد طالت يد الإرهاب الدنيئ أفراد القوات المسلحة والشرطة والمدنيين على حدّ سواء، كما طالت رصاصات الغدر شباب الثورة (جيكا، وكريستي والحسيني ابو ضيف ) وتمددت قوافل الشهداء،وتصاعدت وتيرة الإرهاب لتنال من محمد أبو شقرة الضابط بالأمن الوطنى فى يوم 6 يونيو 2013، وبعد ثورة يونيو التاريخية، واسقاط الإخوان في 3 يوليو 2013، تصاعدت وتيرة الإرهاب فأقدم الإرهابيون على مذبحة رفح الثانية في 19 أغسطس 2013، وتفجير مديرية أمن الدقهلية في 24 ديسمبر 2013، واغتيال اللواء محمد السعيد مدير المكتب الفني لوزير الداخلية في 28 يناير 2014، ومذبحة رفح الثالثة في 28 يونيو 2014، واغتيال النائب العام هشام بركات في 29 يونيو 2015، ومذبحة رفح الرابعة في 1 يوليو 2015، ثم مبنى الأمن الوطنى بشبرا في 21 اغسطس 2015، يوازي هذا ويقترب منه ممارسات نظام مبارك القمعي وأداته القذرة حبيب العدلي وطغمته الفاسدة. هذا وجه واضح للإرهاب تشمئز منه نفوس البشر، في كل مكان وزمان، ولا يقف الإرهاب عند هذا الحدّ فللإرهاب وجه آخر لا يقل خطورة ولا تأثيرا عن تلك العمليات البشعة التي ترتكبها تلك العصابات المجرمة، فتجويع الشعوب لكسر إرادتها من الداخل أو الخارج إرهاب، ونهب ثروات الشعوب واحتكار مواردها إرهاب، وفرض القيود على حرية الإنسان إرهاب، وحرمانه من حقه المشروع في إشباع حاجاته الأساسية، وحقه في الحياة الحرة الكريمة يعد إرهاباً لا لبس فيه، واحتكار الموارد من قبل طبقة تعد أيضا إرهاباً لا لبس فيه، كما أن ممارسات الرأسمالية المتوحشة إرهاب، والتغاضي عن محاسبة المفسدين الذين باعوا الأرض والعرض إرهاب، كما أن التغاضي عن محاسبة الفساد والمفسدين ارهاب. إن الإرهاب المعنوي يكون أحيانا أقسى وأمر من القتل والذبح والتدمير، فالإرهاب المعنوي يطال الملايين في تأثيره، ولنا أن نتصور الجياع والمرضى والثكالي واليتامى، عشرات الملايين لا يجدون قوت يومهم، ويبيتون على الطوى، ملايين من المرضي لا يجدون علاجا، ويواجهون الموت يأسا وبؤسا، الأرامل واليتامى لا يجدون من يحنو عليهم، ولا يجدون من يداوي جروحهم، الملايين يكدحون يقتاتون الفتات، هذا في وقت يرتع فيه قلة ناعمة في خيرات وطن، ينعمون بثروات مسروقة، ويعيثون فسادا في البلاد والعباد، ملايين لا يطمئنون على اليوم، ويخافون من الغد، لا يملكون حتى الأمل، تغتصب حقوقهم، وتسرق أرزاقهم، وتهدر كرامتهم، فماذا يمكن أن نسمي هذا..؟! إنه إرهاب واضح وغير مقنّع، وهذا هو الوجه الآخر للإرهاب. لقد شهدت مصر عصرا ذهبيا اندحر فيه الإرهاب، فبعد أن تفجرت ثورة الثالث والعشرين من يوليو، قال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر إرفع رأسك يا أخي فقد مضي عهد الإستعباد، فكانت صرخة مدوية ورسالة انسانية خالدة رفعت الظلم والمظالم، إنتصر عبد الناصر للذين طأطأوا رؤوسهم من ذل الحاجة، ومن أجبرهم الإقطاعيون ورأس المال الجشع على الإنحناء أمام من يملكون أرزاقهم، وكان ناصر فلاحا مع الفلاحين، وعاملا مع العمال، وجنديا مع الجنود، ومثقفا مع المثقفين، كان أبا لكل المصريين، ورجلا لكل التحديات، يتبني قضايا الحق ويساند الحقوق المشروعة، قضى على الفوارق بين الطبقات، أعاد توزيع الثروة الوطنية بالتساوى على كل المصريين، أعاد الكرامة للمواطن المصري، ولم يتوقف ناصر في حربه ضد الإرهاب داخل حدود الوطن، فقد ساهم لنصيب وافر في إعادة اللحمة والتوازن لجماهير الأمة العربية وشعوبها، وحلاب من أجل تحريرها من مظالم الإستعمار العالمي، فأعاد لها حريتها وسيادتها على أراضيها، لقد كان ناصر بشموخه ووطنيته وقوميته وإنسانيته فخرا لشعب مصر وللأمة قاطبة، وانتكست مصر وشعوب الأرض العاشقة للحرية لرحيله. لقد علمنا التاريخ، وعلمتنا التجارب، أن كل عمل يخالف الأخلاق الإجتماعية ويشكل اغتصابا لكرامة الإنسان، يعد ارهابا صريحا، ولقد عانى شعب مصر من إرهاب الجماعات والتنظيمات التكفيرية الإرهابية وثار عليها في ثورته التاريخية في 30 يونية 2013، ولكننا لا يمكن أن ننسى أن شعب مصر العظيم ثار قبلها في 25 يناير 2011 على نظام حكم فاسد، مارس كافة أنواع وصنوف الإرهاب على جماهيرنا الكادحة، فقد سرق ونهب وحكم وتحكم واحتكر، وأذل وظلم، واعتقل واغتال، ولم يدع فعلاً فاحشاً ولا رذيلة إلا وارتكبهما، ولشديد الأسف، مررنا لما اسمي الفترة الإنتقالية دون أن ننتقل بالفعل إلى عصر جديد، فلم يحاكم فاسداً ولا قاتلاً ولا سارقاً ولا محتكراً ولا راشياً مرتشياً ولا ركنا من أركان النظام الذين يعدّون بعشرات الآلاف وأخطرهم من أعدّ قوانين المرحلة. ونقول بوضوح شديد: إن جماعة الإخوان وما خرج من عباءتها من التنظيمات والجماعات التكفيرية المتطرفة ليست وحدها التي تدمغ بالإرهاب، فهناك جماعات أخرى أسسها نظام مبارك، مؤسسات بأكملها، واحتكارات عاتية، وقوانين غير إنسانية، وسلطة طاغية مفزعة، لا تقل إرهاباً عن تلك الجماعات التي حملت السلاح، فجماعات مبارك أصابت مصر كلها بالشلل، فقد جرفت ثرواتها، ودمّرت بنيتها التحتية، وأعملت في شعبها المرض والفقر والجهل، والأدهى والأمر أن تلك التنظيمات والجماعات الإرهابية التي نطاردها اليوم تربّت في أحضانها، وتحت سمع مؤسسات النظام وبصره، واستخدمها فزّاعة لإرهاب المصريين، حتى يفسح المجال لإرهاب مؤسساته وجماعاته . ولهذا نقول حاكموا كل الإرهابيين..