×
محافظة المنطقة الشرقية

مثقفون يؤازرون النجرانيين ويدعون لمجابهة التكفيريين

صورة الخبر

ذهبت قبل أيام لمنطقة برية جميلة خارج المدينة.. مرت بقربي خنفساء صغيرة لم تهتم لوجودي وربما لم ترني أصلا.. حاولت اعتراضها بيدي فكانت تحول مسارها حين تلمسها فقط.. تتبعتها بعيني حتى دخلت جحرا مجاورا لم أتنبه لوجوده مسبقا.. سألت نفسي لو أن شركة عالمية قررت بناء مركز متقدم (لأبحاث الذرة أو النانو أو الاتصالات الفضائية) قرب جحر الخنافس هذا.. هل ستفهم الخنافس ما يجري قربها؟ هل ستهتم أو تراه أصلا؟ هل ستتصرف بطريقة مختلفة لو كانت تدرك ما يحدث قربها؟ وحين يأتي العلماء الأذكياء للعمل في هذا المركز، هل سيهتمون لوجودها فعلا؟ هل سيعقدون معها اتفاقية حسن جوار؟ هل سيتوقف أحدهم لشرح طبيعة عملهم لها؟ الجواب على جميع هذه الأسئلة هو بالتأكيد (لا) لا وجه للمقارنة على الإطلاق؛ فنحن نتحدث هنا عن نوعين مختلفين من المخلوقات.. عن نوعين مختلفين من الذكاء (هذا إذا افترضنا امتلاك الخنافس شيئا بهذا الاسم)... عن طريقتين مختلفتين من الإحساس والبناء العصبي والإدراك الذاتي... عن تباعد نوعي وكمي ووجداني يجعل كل طرف عاجزا عن التفاهم مع الآخر بل وقد لا يشعر بوجوده أصلا؟ والآن؛ لننظر للقضية بطريقة معاكسة.. .. ماذا لو كنا نحن الخنافس، وتعيش قربنا مخلوقات فضائية بالغة الذكاء لدرجة لا ترانا ولا تهتم بوجودنا في حين لا نراها نحن من فرط ضخامتها أو شفافيتها أو عدم تمتعنا بالإحساس والذكاء الكافي لإدراك وجودها! كيف نضمن عدم وجود مخلوقات أخرى (في الكون) تفوقنا في الذكاء وحدة الإدراك لدرجة انها (حتى حين ترانا) تنظر إلينا كما ننظر نحن للخنفساء أو الحصان أو اخطبوط البحر... فداخل جحرنا الصغير يمكن للمجتمعات المتخلفة اللحاق بالمجتمعات المتقدمة كونهم في النهاية بشرا من نفس النوع والجنس والفصيلة (ويعيشون في نفس المكان والزمان والظروف).. ولكن هل يمكن للجنس البشري مقارنة نفسه بمخلوقات فضائية مختلفة عنه نوعيا وسبقته في عجلة التطور بآلاف السنين.. فنحن واعذروني على استعمال صيغة الجمع مجرد مبتدئين لم نستعمل الكهرباء إلا منذ مئة عام، والصواريخ منذ ستين عاما، والانترنت منذ عشرين عاما.. ويا ليت الأمر يقتصر فقط على الفارق الزمني؛ فهناك احتمال امتلاك هذه المخلوقات ذكاء نوعيا يفوق بمراحل ما يمكن لعقولنا فهمه أو التفكير فيه (تماما كما لا يمكن للخنافس فهم أبحاث الذرة وتصور تقنية النانو).. ويصبح وضعنا أسوأ من الخنافس إن لم تكن مخلوقة مثلنا من لحم ودم بحيث يمكننا رؤيتها والإحساس بوجودها.. فمن يمكنه الجزم بعدم وجود كائنات فضائية مخلوقة من الأطياف والأمواج والأنواع المختلفة من الطاقة.. ألم تخلق الملائكة من الطاقة الضوئية، والجان من نار السموم؟ ألا يعد وجودهما دليلا على وجود كائنات شفافة نعجز عن رؤيتها وإدراك وجودها (ولولا ذكرها في النصوص الشرعية لما عرفنا بوجودها)؟ صحيح أن ذكاءنا سمح لنا برؤية أشياء تعجز عنها العين المجردة (كالجراثيم والبكتيريا والمجرات البعيدة) ولكن ماذا لو كان ذكاؤنا محدودا لا يصل لأبعد من ذلك.. فنحن نكتشف ونبتكر ونفكر (فقط) فيما يمكننا فهمه والإحساس بوجوده.. وبالتالي لا يمكننا التفكير فيما تعجز عقولنا عن فهمه، أو خيالاتنا عن تصوره، أو أحاسيسنا عن إدراك وجوده وجرب شرح الانترنت للحصان، أو الموسيقى للأصم، أو الفرق بين الأصفر والأحمر لرجل كفيف! ... أنا شخصيا لا أشك في أننا مجرد (جُحر خنافس) بالنسبة لمخلوقات كونية بالغة الذكاء لا نراها ولا نشعر بوجودها.. ولا يثير اهتمامها عيشنا بقربها.. هل تبتسم الآن وتحاول تغيير وُجهتك في الصحيفة.. لا بأس.. فهذا أيضا ما كانت تفعله حين أضع يدي أمامها.