ما زال المستقبل غامضاً في ليبيا، فالأطراف المتناحرة في هذا البلد، الذي مزقته الحرب التي بدأت مع خروج الناس في 2011 إلى الشوارع لإسقاط نظام حاكم ليبيا المطلق معمر القذافي، ولا تزال هذه الحرب، مستمرة وتحدث كل يوم المزيد من الخراب والدمار، وقبل ذلك أرواح الناس الذين كان الكثير منهم يتمنون حياة مختلفة عن تلك التي عاشوها في مدة نظام القمع في ليبيا، بخاصة بعد أن سد العقيد القذافي كل منافذ التغيير في بلاده أسوة بكثير من الزعماء العرب، الذين فضلوا البقاء في الحكم ولو على جماجم أبناء بلدانهم، ولم يكفهم ما كسبوه خلال سنوات حكمهم الطويلة. اليوم يجري تمزيق ليبيا وسط اتساع رقعة المتخاصمين إلى أكثر من فصيل محارب، حيث الكل يعتقد أنه على حق. وعلى الرغم من أن ليبيا تعد بلداً غنياً، قياساً بدول أخرى طالتها ثورات الربيع العربي خلال العام 2011، إلا أن ذلك لم يعفها من تأثيرات الفوضى التي عمت كثيراً من الدول العربية، مثل سوريا واليمن حيث تستعر فيهما حربان أهليتان. ومثلما حضر ويحضر العامل الخارجي في أزمتي سوريا واليمن، كان للتدخل الخارجي في ليبيا تأثير كبير في الأوضاع التي يعيشها هذا البلد، وبعد أن فعل هذا التدخل فعلته في إسقاط نظام معمر القذافي، ترك الشعب وحيداً يصارع حكم الميليشيات التي مزقت البلاد أكثر، حيث أصبح كل طرف يمتلك السلاح ويحكم منطقة وحده، ودخلت في ذلك العصبيات القبلية التي أحياها التدخل الأجنبي، بعد أن كانت مطمورة لعقود طويلة بفعل القواعد التي وضعها القذافي لضمان بقائه في الحكم، لكن المشكلة أن سياسته دفنت العصبية القبلية بحكم القوة، ولم يدفنها بالقانون والتحضر والمدنية، حيث بقيت ليبيا مستسلمة لحكم القبائل والعشائر التي كان من المفروض أن تنتهي فيها منذ عشرات السنين. اليوم يحكم ليبيا أكثر من طرف مسلح وتتجاذبها الميليشيات المسلحة التي صارت تمتلك سلاحاً بعضه من مخازن أسلحة النظام السابق وبعضه تحصل عليه من جهات أجنبية، وصار تنظيم داعش يسرح ويمرح في هذه الرقعة الجغرافية الكبيرة التي تشكلها ليبيا في خريطة الوطن العربي من دون أن يستطيع أحد أن يضع حداً له. صحيح أن العالم بدأ يلتفت إلى الوضع الخطر في ليبيا، إلا أن ذلك لا يتم وفق الصرامة التي يسير عليها في مناطق أخرى، فكثير من دول العالم يريد إبقاء ليبيا على خريطة الدول الفاشلة بما يحيدها من لعب دور كبير في القارة السمراء. منذ مدة والفرقاء المتحاربون في ليبيا يجتمعون بإشراف دولي، في مدينة الصخيرات بالمغرب للتوصل إلى حل يعيد الأمل إلى ملايين الليبيين في استئناف حياتهم التي كانت مستقرة إلى حد كبير قبل ثورات الربيع العربي، إلا أن الخلافات السياسية ودور السلاح لا يزال العائق الأكبر في إحراز أي تقدم، بخاصة مع تلك الأطراف المرتبطة بمشاريع الهدم والتدمير، والتي تتحالف مع داعش، وبقية التنظيمات الإرهابية، وهي بذلك تعيد ليبيا، كما حال اليمن وسوريا، عقوداً إلى الوراء وتدمر كل ما حققه الشعب الليبي وتهدر ثروته التي صار يستفيد منها الخارج أكثر من الليبيين، حيث يبدو الحل في هذا البلد الغارق في تفاصيل العصبية القبلية صعب المنال أقله خلال المرحلة المقبلة. sadeqnasher8@gmail.com