تجديد المنبر الحسيني في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، عندما ترى كثافة عدد المعزين وتقاطرهم على أحد خطباء المنبر في إحدى الحسينيات، فاعلم انه غالبا ما يكون ذلك الخطيب ممن يتناول الشأن السياسي للبلد بشيء من الجرأة غير المعهودة، فقد كان التوجه السائد آنذاك والميل نحو الخطيب الذي يتحدث عن حال البلد أو يتعرض لبعض مواطن الخلل بما هو متاح، ومن الطبيعي انه مع عدم وجود متنفس للناس ونافذة لحرية التعبير فإنهم كثيرا ما يجدون في ذلك الخطيب صدى لما يختلج في نفوسهم وما يودون قوله او سماعه. اليوم ، وربما خلال السنوات الأخيرة لم يعد نجاح خطيب المنبر الحسيني واستقطابه لجمهور المعزّين يعتمد بشكل تام او حتى جزئي على التطرق إلى القضايا السياسية فحسب، فقد اصبح الوعي السياسي والحديث في الشأن السياسي متاحًا غالبًا لكل أحد ولو في بعض الحدود. لدينا نموذج لخطيب المنبر يمثل ظاهرة فريدة، قد يكون هذا النموذج هو الأساس مستقبلاً لما يشكل من حركة تثقيفية توعوية او تجديدية (إن جاز التعبير) في المجتمع. لم يعد مفاجئا ان تذهب الى منطقة مأتم السنابس الذي يلقي فيها أحد الخطباء المجيدين محاضراته، تذهب قبل نصف ساعة من بدء وقت المحاضرة ومع ذلك بالكاد تجد موقفا للسيارة، اما اذا ذهبت في موعدها فلن يسعك ان تجد ذلك الموقف فضلاً عن ان تجد موطيء قدم داخل المأتم. دأب خطيب المأتم (المسائي) على طرح المسائل العقائدية والفلسفية والأخلاقية و(الحسينية) وحتى العبادية بمنهجية فريدة، وأسلوب مختلف تماماً عن المعهود، وبعمق ومن زوايا متعددة وغير مألوفة إلى الدرجة التي قد تغير فيها قناعتك بفكرة او مسألة معينة بعد الاستماع لطرحه الفكري المميّز واسلوبه الشيّق المدعّم بالأدلة العقلية والمنطقية، بحيث انك تدهش ان تسمع في بدء المحاضرة حديثا او آية قرآنية تتناول مسألة عقائدية او اخلاقية اجتماعية (بسيطة) (حسبما كنت تراها) لكن شرحها وتفسيرها و ما تختزنه من معان وأهداف لم يطرأ لك على بال ولم تسمعه قبلا من أحد!، هذا مع الاشارة الى ان بعض الموضوعات التي يتناولها الخطيب في محاضراته تكون مطعّمة ببعض المصطلحات والتعابير الفلسفية التي تخاطب مستوى معيناً من العقليات وتستهدف النخبة على الأرجح! أتحدث عن نموذج هذا الخطيب المميّز، لهدفين، الأول هو التدليل على ان المجتمع لم يعد يقنعه او يجذبه اي خطيب إذ إن المجتمع هنا يفرض على خطيب المنبر تثقيف نفسه والتبحّر في علوم معينة يحتاج إليها المجتمع لمجاراة العصر وحسن ظنّ المعزّين، فالإقبال الشديد على خطابة خطيب مأتم السنابس (مثلاً) يشير الى الوعي المرتفع والبصيرة الواضحة التي بات يتحلى بهما المجتمع كما ان الآلاف التي تزحف للاستماع الى هذا الخطيب تدلّل على رغبة الناس وشوقها في تعلّم المزيد و(الفريد) في امر دينها ودنياها، وانها (الناس) وضعت لها سقفا لمستوى الطرح لا تود ان تخفّضه أو تقبل بأقل منه. واجزم انه خلال الـ 10 أيام (من المحرم) التي يرتادها المعزّي فإنه ستتكوّن لديه ثقافة دينية وأخلاقية، بل وعلمية أحياناً قيّمة ومعرفة عميقة بعدة عناوين وافكار وموضوعات. الهدف الثاني، هو ان مازال هناك كتاّب على المستوى المحلي او العربي، مازالت لديهم مقالات كتبوها قبل عشرات السنين تنتقد المنابر (الحسينية) وتنظرلها نظرة سلبية تخلو من الانصاف والتحقيق، المقالات هي، هي ذاتها مقالاتهم يقومون بنشرها في الصحف او مواقع الانترنت كل عام (مع تغيير التاريخ)! يرون في الحسينيات ومنابرها مجرد ساحات للطم ونزف الدموع وجلد الذات، يكتبون عن الحسينيات وهم لم يدخلوها قط وربما لم يستمعوا الا لقلة قليلة (في طور الاختفاء)! من الخطباء الذين مازالوا يتمسكون بالأسلوب القديم في الرثاء وتناول ثورة الامام الحسين (ع)، في حين ان فترة العشرة الأولى من المحرم هي عبارة عن معهد مكثف للتهذيب والتربية وحالة استنفار للعقل والقلب. جابر علي السينما العربية... ما لها وما عليها احتلت السينما العربية، حيناً من الدهر، قلوب الشباب العربي، وسحرت عقولهم بأفلامها البطولية وخصوصاً أفلام عنترة وعبلة، وأميرة العرب، والرسالية كفلمي الرسالة وعمر المختار، لكنها هبطت إلى أسفل السافلين في مطلع التسعينات عندما تخصصت في بث أفلام العنف والإثارة الجنسية؛ لتخدر الشباب، وتحجب عقل المواطن العربي (الغلبان) وتبرده لتوقفه عن تحقيق أهدافه، والمطالبة بأرضه وخيراته المسلوبة، وتصرف أنظاره وفكره عن حقوقه ودستوره، فتجد المواطن العربي قد لا يمتلك قوت يومه لعياله، وقد يحرم ابنه من مصروف يومه المدرسي ومن كراريسه، أو شراء دواء لزوجته؛ لكنه يصرف المال لمشاهدة فيلم إباحي عربي! ولم يكن خافياً على أحد، إذ بلغت السينما العربية أوج عظمتها بدليل نفاد تذاكر الأفلام قبل موعد العرض، وزادت إيراداتها السنوية ! مما زاد غضب الجماهير العربية وكسروا نوافذ البيع لنفاد تذاكر العرض والفاحشة والإباحة، وهذه أهداف ومخرجات السينما... نسخ من الشباب الممسوخ عقلاً وشكلاً وطيشاً، ومما زاد فرحة بعض الأنظمة أنها شرعت في بناء دور سينما جديدة بينما لم توفر للمواطن سكنا لائقاً، ففطنت الجماهير لهذه اللعبة من جديد وانتفضت انتفاضتها الشعبانية مطالبة بإيقاف هذه الأفلام والبحث عن السينما النظيفة تماماً، وأنا أكتب هذه العبارة ضحكت كما ضحكت أميركا على الشاميين بإطلاق شعارها على المعارضة السورية بالمعارضة المعتدلة أي بعد أن خربوا الشام ودمروا جيشها وصلبوا العلماء السوريين وحرقت دباباتُهم وقذائفُهم حضارة دمشق ودور العلم ومنار الفكر ومطارات وجامعات ومختبرات ومعاهد التعليم السوري العالي! نعم بعد أن شبعت الجماهير العربية من (التبصبص) للفنانات العاريات ولسيقان الراقصات واستراق النظر بنظارات تشبة قاعدة زجاجة (بيبسي)، كما يطلق عليهمالبصاصين استيقظ الشباب العربي مرة أخرى بانتفاضة جديدة تحارب هذه الأفلام الفاسدة حتى عادت شبابيك السينما ونوافذ البيع تصفر من جديد في صالات العرض وكادت تغلق أبوابها! لو لا يقظة المخرج العربي من جديد في مغازلة عقول الجماهير الوطنية مرة أخرى بأفلام وطنية وسياسية ضد الأنظمة والفقر وفلسطين والوضع العربي التعيس كفليم الراقصة والسياسي والزعيم وبيت الحارة والإرهاب والكباب وغيرها... لماذا؟ لأن المخرج بده هيك... ومن هو المخرج؟ الحقيقة ليس المخرج وحده وإنما الأنظمة العربية، وقد يسأل سائل وهل الأفلام الأوروبية والأميركية عليها مسحة نبي؟ الجواب أتفق مع السائل، فهي تلام أيضاً فأغلب أفلامها لا تخلو من التعري والقبلات، لكن بعضها يحاكي العلم والعقل والخيال مع عبودية الحاكم لشعبه في فيلم mad max الذي أبرزه المخرج لنا في صورة الطاغية الذي همه جمع النساء الجميلات في قصره ليختلى بهن ليليّاً، وحبس شعبه في مساحة ما من الصحراء ومنع الماء عنهم، وهو أغلى ما في الوجود ويوزعه عليهم بمعدل مرتين في الأسبوع! أيضاً ينقلنا أحد الأفلام إلى بحث العلماء لمرض الزهايمر عبر حقن أحد القروش بحقن البروتينيات لإنتاج قرش ذكي من سلالة خاصة إلا أنه وفجأة يتمرد السحر على الساحر فيخرج القرش من سجنه بحثاً عن ساحره كما في فيلم deep blue sea ونفس فكرة الفيلم نراها في قصة الفلم الأميركي Jurassic أي العالم الجوراسي الذي يحاول المخرج أن يبرز تحدي الإنسان لله سبحانه وطغيان الحاكم في اجراء تجارب على شعبه في سجون مفتوحة يستنسخ منهم روبورتات آدميين مستنسخة تأتمر لأوامره إلى أن يحدث خطأ في تغذية الدينوصورات الضخمة إلى جانب ذلك ما قاله أحد الممثلين لصاحبه حينما دخل جنته قائلاً ما أعظم هذه المخلوقات بينما رد عليه قائلاً: نحن خلقناها متحدياً الله!! وكذلك تتكرر الفاجعة نفسها والمصير نفسه والتحدي للطبيعة منذ آلاف السنين في أضخم وأعظم عمل فني لسفينة Titanic، صنع الإنسان الغرور آنذاك لكنه نسي أن نهايتها ستبحر فوق بحر لجي حينما كرر قبطانها الخطأ نفسه قائلاً إن التايتنك سفينة لا تغرق؟ أو حتى الله سبحانه ما يقدر يغرّقها والعياذ بالله ثم تغرق جراء صخور جليدية! السؤال التائه: ما هو دور السينما العربية؟ هل هو تثقيفي جنسي فقط أم ضحك على عقل المشاهد العربي؟ مهدي خليل