من الطبيعي أن تفشل المساعي التي بذلها وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينماير، لترطيب العلاقات بين السعودية وإيران خلال زيارته الأخيرة للرياض، ذلك لأن النظام الإيراني لا يتوقف عن ممارسة التعدي والتدخل في شؤون دول الخليج والمنطقة العربية بشكل عام، إذ لا تزال إيران تحاول "تسييس" حادثة "تدافع منى"، رغم أن أصابع الاتهام تشير إلى ضلوعها في الحادثة مباشرة، فهي الدولة الوحيدة التي لها سوابق في استغلال مناسبة الحج لخلق فوضى وتسويق مواقفها وشعاراتها السياسية، دون مراعاة لحرمة المكان والمناسبة، كما أنه سبق وتورطت في تهريب متفجرات إلى المشاعر دون مراعاة لحرمة الموت وحرمة الشعائر الدينية، ولا ننسى أن الحجاج الإيرانيين هم الوحيدون الذين استغلوا مناسبة الحج لتنظيم مظاهرات كما حدث في موسم حج 1987، والتحقيقات أثبتت ضلوعها في التفجير الذي حدث بجوار الحرم المكي في موسم حج 1989، وإطلاق الغازات السامة في حج 1990، كما أنها لا تخفي دعمها وتسليحها للحوثيين ومساندتها لهم، رغم تحالف معظم دول العالم مع السعودية في سعيها، عبر التحالف العربي، إلى إعادة الشرعية في اليمن، وتنفيذ بنود الاتفاق الخليجي الذي أعاد النظام في اليمن. هنالك تغيير طفيف يلحظه المراقب في السياسة الخارجية السعودية تجاه إيران، فبعد أن كان موقف الخارجية السعودية الدائم هو الهدوء وسياسة ضبط النفس، ظهرت لغة تصعيدية واضحة، رغم أنها لا توازي الممارسات الإيرانية وصوتها المرتفع في المحافل والمناسبات الدولية، كان آخرها ما صرح به رئيس الوفد الإيراني المشارك في اجتماعات الدورة الـ33 للجمعية العمومية للاتحاد البرلماني الدولي التي عُقدت في جنيف خلال الأيام الماضية، في كلمته التي ألقاها في الاجتماع، وحاول خلالها "تسييس" حادثة التدافع في منى، واتهام السعودية بالتفريط في أمن وسلامة الحجاج. الأطماع الإيرانية في الخليج العربي لن تتوقف، ولن تهتم إيران بمحاولات بعض الدول الخليجية الساعية إلى تحقيق السلام، وتجنيب المنطقة شبح الحروب المستعرة في اليمن والعراق وسورية ولبنان. فإيران التي تسعى إلى الاستيطان في المنطقة الخليجية والعربية، عبر إيجاد المؤيدين والموالين لها وشرخ اللحمة الاجتماعية العربية والإسلامية عبر استغلال اختلاف المذاهب، لن تتوقف عن ممارساتها تلك إلا برد فعل مواز لأفعالها، بل يزيد عنه ويردعها عن إطلاق التصريحات العدائية، والتدخل في شؤون الدول الخليجية والعربية، ويجبرها على احترام حق الجوار. الخطر الإيراني في المنطقة لا تخطئه العين، وسياساتها العدائية تفوح رائحتها من كل الاتجاهات، ورغم ذلك لا تزال الدول والأنظمة الخليجية تحاول عبر سياسات حسن الجوار ورجاحة العقل والدبلوماسية "الناعمة" مواجهة السياسات الإيرانية، وفي مقابل ذلك، تمارس إيران مزيدا من العداء الواضح والاستهداف المباشر للرابطة الخليجية، واستهداف أمن واستقرار الشعوب العربية، بل والتدخل المباشر في شؤونها كما حدث في اليمن، وكما سبق أن حاولت التدخل في مملكة البحرين. لذلك فإن إعادة تقييم السياسة الخليجية تجاه إيران أمر يفرضه استمرار إيران في نهجها وممارساتها.