جهود متميزة تبذلها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" منذ إنشائها. رغم حداثة عهد نشاطها وضعف إمكاناتها، إلا أنها تسير في الطريق الصحيح، ويتضاعف جهدها التثقيفي بمناسبة الاحتفاء باليوم الدولي لمكافحة الفساد، الذي حدد له اليوم التاسع من ديسمبر الحالي، وتنعقد تزامنا مع هذه المناسبة بعد غد الاثنين ندوة بعنوان دور المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد، ويعقد مؤتمر الرياض الاقتصادي في اليوم نفسه مساء، جلسة خاصة لمناقشة دراسة: "الفساد الإداري والمالي الواقع والآثار وسبل الحد منه"، ولي الشرف أن أشارك في هذه الجلسة محاورا ضمن مجموعة من المحاورين للدراسة التي تحتوي على ثمانية فصول، بالإضافة إلى الملخص التنفيذي والملاحق. وللحقيقة إن غرفة الرياض الراعية والمنظمة والمشرفة على منتدى الرياض الاقتصادي المتميز تنفرد بخصوصية المواضيع المحلية والآنية، التي تهم الاقتصاد السعودي والمجتمع السعودي، وهو توجه في الطريق الصحيح نبحث عنه، وهي إذ تناقش موضوع الفساد الإداري والمالي في المملكة، تضع يدها على أحد أهم وأخطر المواضيع الحساسة، التي يعاني منها المجتمع والمجتمع الاقتصادي بصفة خاصة، ولم تبن الدراسة من فراغ، وإنما اعتمدت على استعراض سبع دراسات سابقة أعدت من جهات متفرقة عن ظاهرة الفساد الإداري والمالي بالمملكة، وتناولت معظمها مظاهر الفساد الإداري والمالي وأسبابه وآثاره، التي من أهمها بعض من الانحراف في خطط التنمية عن مسارها، وتعطيل تنفيذ بعض أجزائها، وتأخر الوصول إلى أهدافها في الوقت المحدد، بالإضافة إلى تدني مستوى الخدمات والمشاريع الحكومية، وانتشار البطالة الحقيقية والبطالة المقنعة، وتسريب الكفاءات والأشخاص المخلصين من الأجهزة الحكومية نتيجة الإحباط وعدم الشعور بالعدالة، بالإضافة إلى تفشي الرشوة و"المحسوبية" بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى انعدام الثقة بين أفراد المجتمع والمسئوولين في الجهاز الحكومي، مما يسبب بطء حركة عجلة التقدم والنمو الاقتصادي والثقافي، وعدم الاعتماد على مبدأ الكفاءات في التعيين والترقيات دون اعتبار للمصلحة العامة، ومن آثار الفساد الإداري والمالي حسب الدراسة تعثر المشروعات الحكومية، الأمر الذي يؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. إن نحو ثلثي أفراد عينة الدراسة "63.5%" يرون أن الفساد الإداري والمالي منتشر في المملكة، في حين يرى قرابة الثلث أنه منتشر بدرجة محدودة، وأن نحو 4.2% من العينة يرون أن الفساد غير موجود ويبدو أنهم في سبات عميق ويرى نحو "63.4%" من العينة أن الفساد المالي أصبح أكثر انتشارا في الوقت الراهن مما كان عليه خلال السنوات الخمس الماضية، في حين يرى أقل من ثلث العينة أن لا تغيير يذكر عما كان عليه الوضع سابقا، ويشير أقل من 10% من العينة إلى أن الفساد المالي أقل انتشارا في الوقت الراهن. أما الفساد الإداري، فيرى أكثر من نصف العينة "56.7%" أن الفساد الإداري أكثر انتشارا في الوقت الراهن مما كان عليه في السنوات الخمس الماضية، في حين يرى أقل من ثلث العينة أن لا تغيير يذكر ويرى 15% من العينة أن الفساد الإداري أقل انتشارا في الوقت الحالي مما كان عليه في السابق، ويرى أكثر من ثلث العينة أن الفساد أكثر انتشارا في المستويات الإدارية العليا والوسطى بالأجهزة الحكومية عنه في المستويات الدنيا، كما أتت المستويات الإدارية العليا في قمة الهرم. جاءت الرشوة كاحد أهم المظاهر "المتوسط المرجح 3.92"، وتلا ذلك كل من التلاعب بالعقود الحكومية، وتسهيل المعاملات "مخالفة للأنظمة"، في حين كان غسيل الأموال في المرتبة الأخيرة؛ وقد يكون السبب عدم وجود معلومات كافية كما جاء في مقدمة العوامل التي تساعد في انتشار الفساد المالي كل من ضعف الوازع الديني، والتساهل مع مرتكبي الفساد، وغياب الشفافية والوضوح "بمتوسط مرجح 4.43 لكل منها"، في حين جاء الاحتكار والسوق السوداء كآخر العوامل من وجهة نظر عينة الدراسة "بمتوسط مرجح 3.22"، وقد يكون السبب أن السوق السعودية مفتوحة لجميع السلع من جميع أنحاء العالم بجودة وبغير جودة. وجاء ترتيب الفساد الإداري والمالي وفقا لنوع الخدمات، من وجهة نظر شريحتي القانونيين ومكاتب المراجعة والمحاسبة القانونية، أن مستوى الفساد في تلك الخدمات يتراوح ما بين كبير جدا ومتوسط، وكان قطاع المقاولات هو الأعلى من وجهة نظر الشريحتين المذكورتين، يليه قطاع الخدمات البلدية. إن قضية مكافحة الفساد بصفة عامة، ينبغي أن يبدأ من رأس الهرم نزولا إلى قاعدته أي من القيادات الإدارية العليا نزولا إلى الأجهزة التنفيذية، فكما يقال إن تأثير الفساد في الأعلى يضر بالاقتصاد القومي. لكن حجم وأثر الفساد في قاعدة الهرم يتضرر منها المجتمع؛ لأنه هو من يدفع الضريبة وأقصد بها الرشوة. ومن وجهة نظري أن التركيز على الفساد المالي فقط لا يمثل الفساد بصفة عامة؛ لأن بعض الفساد الإداري له آثار مالية ضخمة، مثل القرارات والسياسات والخطط الخاطئة، التي تكلف ميزانية الدولة البلايين ثم نكتشف أنها كانت قرارات خاطئة ونعيد تعديلها ببلايين أخرى أو تغيرها كليا بتكلفة مضاعفة، وكذلك أعتبر أن بعض المشاريع التي تبناها بعض المسؤولين، ثم نكتشف أنها كانت أوهاما أو أهدافا خاصة، لتحقيق مصالح شخصية هي عين الفساد وتحتاج إلى إعادة فتح ملفاته والتحقق من نواياهم. إن الفساد الإداري بالتوظيف، مثل تعيين ذوي القربى والمصلحة والانتماء الإقليمي والقبلي على حساب ذوي الكفاءات والعلم والمعرفة، فيه خطر على درجة ولاء الآخرين وتؤثر على أدائهم وإنتاجيتهم وإبداعهم. شكرا لغرفة الرياض ولأخي المهندس سعد المعجل، نائب رئيس غرفة الرياض وصاحب مبادرة منتدى الرياض الاقتصادي، الذي أسهم في توجيه المنتدى لقضايا اقتصادية محلية. وشكرا لأخي وزميلي معالي الأستاذ محمد الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لجهوده المتميزة وهو صاحب فكرة المشروع منذ أن كان في مجلس الشورى، ولقد استطاع أن يحقق إنجازا متميزا خلال فترة وجيزة، مؤكدا له بأننا ككتّاب سنظل داعمين ومساندين لجهوده. الوطن