ما حدث في مصر مؤخرا في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية لا بد وأن يلفت النظر على المستوى العربي، فقد سقط حزب النور سقوطا مدويا أمام قوائم المحسوبين على التيارات المدنية البعيدة عن توظيف الدين لأغراض سياسية. ونتيجة لهذه الصدمة، المتوقعة وغير المتوقعة في آن، عقد أعضاء هذا الحزب ما أسموه اجتماعات (أزمة) لمناقشة فراغ الصناديق تقريبا من القوائم المحسوبة عليهم ومن أسمائهم المنتخبة على أساس فردي. ولست أدري إن كان أحد من الأعضاء في اجتماعات الأزمة هذه أظهر الحقيقة التي لم تعد تخفى على أبسط الناس. وهي أن المؤمنين بربهم والحريصين على رقي علاقتهم بدينهم، سئموا هذه المراوحات والمساومات الدينية التي تبحث فقط عن (مكاسب سياسية) بغض النظر عن نوع الطريق أو الوسيلة التي تؤدي إلى هذه الغاية. أي أن الممارسة الميكافيلية لحزب الحرية والعدالة الإخواني من قبل وحزب النور الآن، وغيرهما من الأحزاب الدينية في تونس والعراق وغيرهما، المتدثرة بعباءة الدين لم تعد أجندتها قابلة للتسويق لدى أبسط مكونات الشعوب العربية، حتى لو كان هذا التسويق من على منابر صلاة الجمعة أو عبر المساعدات التي توزع في أحياء الفقراء. وإذا كنا سنعتبر ذلك غنيمة من غنائم ما يسمى الربيع العربي فهي غنيمة أكثر من جيدة من باب عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، فهذه الأحزاب التي تضع طاقية الدين أرادت أن تستثمر هذا الربيع أو هذا الحريق وصدقها الناس في البداية ثم سرعان ما انكشفت أغطية ملفاتها السياسية الديكتاتورية فانكفأ الناس عليها يطالبونها بترك الدين لله والمسجد والسلوك القويم والأخلاق الحميدة، وممارسة السياسة باعتبارها صناعة حياة إذا دخلت على خط الدين ضيعته وأحدثت فيه من الالتباسات ما يمكن أن يبعد الناس عن دينهم بدل أن يقربهم إليه. وفي اعتقادي أن تجربة حزب النور في الانتخابات البرلمانية المصرية قد تكون هي المسمار الأخير في نعش المستغلين للدين سياسيا. وعلامة فارقة في تاريخ الإسلام السياسي الذي فقد كثيرا من وهجه الجماهيري في السنتين الأخيرتين بعد أن اكتسبت الجماهير قدرا من الوعي بأن مراكب الدين تستغل من هذه الأحزاب للوصول إلى أهداف سياسية دنيوية بحتة. هذه الأهداف التي تمارس من أجلها كل الألاعيب التي لا علاقة لها بالدين.