×
محافظة المنطقة الشرقية

«السوق المالية» تستعد لإطلاق حملة ترويجية على المستوى الدولي

صورة الخبر

تقول الشاعرة والروائية اللبنانية نسرين بلوط، بما أنني أومن بأن الفكر هو الإنسان وأن الانسان بلا فكر كأنه أداة في يد الطبيعة لا حول لها، أصبحت علاقتي بالكتاب وكأنها علاقة غيبية أبصر من خلالها الغيب بكل جوارحه، وهي أشبه بعلاقة البحار بمجذافه، فالكتاب حتى لو لم يكن ينتمي للكاتب نفسه فهو يمثل له المجداف الذي يقيه عواصف البحر وتقلبات الموج وتضيف «بلوط» من هنا انصب اهتمام الكاتب على قراءة غيره، لكي لا يتعثر ب «الأنا» التي قد تلح على البعض لدرجة أن يداهمهم الغرور على حين غفلة. * ما هو الكتاب الذي أحدث تأثيراً فيك بعد قراءته؟ - عشت عمري في طقوس ادبية تميل للناسك في صومعته الخاصة التي لا يراه فيها سوى الله فاقرأ الكتاب وكأني في حالة ابتهال وصلاة. فكما قال آرثر رامبو: «فليثب الفكر حراً وسيؤمن الإنسان». ولأنني أؤمن بأن الفكر هو الانسان وأن الإنسان بلا فكر كأنه أداة في يد الطبيعة لا حول لها، أجلس ساكنة غائبة في اللاوعي المدرك وأحاول أن أصل الى نور الله من خلال المعرفة؛ وعندما قرأت رواية الحرام ليوسف ادريس لمست مدى تجسيده للجرح الأبدي الذي ترزح تحت وطأة أناته بلادنا العربية خاصة وهو التفريق الجذري والطغياني بين طبقات المجتمع. فالمجرم مغفور لهم ان كان ميسور الحال ولكن ان تجاسر الفقير وأخطأ ولو بشكل لا مرئي بات مرجوماً ومحتقراً ويُنعت بأبشع صفات الانسانية من الذين يتحلون باللا انسانية وبالعبث الطغياني.. فالجاني في رواية الحرام من أسياد الريف بالإضافة أنه رجل وهذا يعزز من انفلاته من العقاب ومن النأي عنه بدل القصاص منه.. والمجني عليها فلاحة تفشى الفقر في كيانها حتى عميت بصيرتها بالهذيان وغشى بصرها الضياع وقادها خوفها الفطري من جبروت مغتصبها أن تكتم عارها وتنزوي به وحيدة وتنوء تحت ثقله صامتة ساكنة ولو أفضى بها هذا الى الموت الحتمي مع طفلها الذي نتج عن الحرام. الحرام الذي أحاقها رغماً عنها لأنها تمثل الطبقة الضعيفة الفقيرة في مجتمعها العنصري المتحيز للأقوى. فتدهورت لهاوية سحيقة من الخزي والعار واحتقار الذات بلا ذنب اقترفته. فبأي ذنب قتلت؟؟ ومن غير الاله يزور منازل الفقراء كما قال الأديب البنغالي طاغور.. وكما وصف الاديب جبران خليل جبران في احدى قصائده: «والعدل في الأرض يبكي الجن لو سمعوا به. ويستضحكُ الأموات لو نظروا. فسارق الزهر مذموم ومحتقر وسارق الحقل يدعى الباسل الخطر». فأبصار الفقراء منكسة دائماً الى الأسفل والغني مهما اقترف من محرمات يبقى منزهاً عن الحكم. هذا الكتاب أصقل حواسي بأغواره السحيقة التي ترسم هوية الفرد حسب وضعه المادي ورغم أنها كتبت من سنين طويلة ولكنها تحاكي كل عصر وزمان لأن الظلم لا حد له ولا نهاية وقد تفشى في الآونة الأخيرة بشكل أعم وأشمل وبات يحاكي يوميات الناس بدقة حتى تأفف الظلم من الظلم نفسه.. * ما نوع التأثير وهل أنت مقتنعة به؟ - التأثير كان مغايراً لغيره من التأثيرات من حيث تسليط الضوء على حيثيات مهمة قد تصادفنا في يومياتنا ولا نكترث لها أو نتحاشاها حتى لا توجعنا بسياطها. ولكنها تستوجب التوقف عندها بتمعن. عندما كتب تشارلز ديكينز في روايته «بين مدينتين» عن الثورة الفرنسية حثّه الظلم الذي محق روح الانسانية من قلوب الملوك والاغنياء فارتدّ عليهم سلباً عند قيام الثورة وبات الظالم مظلوماً بسبب المقصلة التي كانت تلتهم في جوفها الذي يغلي حقداً رؤوس الأغنياء ولو كانت أيديهم بيضاء. إذن الظلم انتقل من الغني للفقير ومن القوي للضعيف.. فالهوة الشاسعة التي نشأت بين الغني والفقير بسبب التعجرف والتهميش أدّت الى ردة فعل سادية تتوهج بالدماء المرهقة.. وكذلك ثار جبران خليل جبران في كتاب الأرواح المتمردة والأجنحة المتكسرة على تلك الآفة الاجتماعية الخطيرة التي تنهش في قلوب البشر حتى أنه ثار على تقاليد الكنيسة التي هي ليست من نسيج الله الذي يحب الفقراء بل من صنع البشر. ومثله فعل الأديب نجيب محفوظ في روايته اللص والكلاب والسمان والخريف حيث كان لكتابته البعد الفلسفي الميتافيزيقي حيث جرّد الروح البشرية من لباسها وانطلق منقّباً عن العدالة والحرية والانصاف في مجتمع برجوازي غيبت قصوره وجوه المحتاجين. وكذلك فعل الاديب الروسي ليو تولستوي الذي عاش حياة المزارعين وترك عائلة موفورة الثراء وانطون شيكوف الذي وصف بروح السخرية روح النفاق في مجتمعه. وزامياتين الذي اتهم لينين بالخيانة وأدان المجازر التي ترتكب بحق العمال الفقراء. وفيكتور هوجو الذي نظم حركة مقاومة باءت بالفشل. ولكن الحركة التي أبدعها بقلمه وجدت النجاح الباهر وصنفته كأعظم الأدباء الأوروبيين. بالطبع اقتنعت بما نقله هؤلاء الأدباء وغيرهم عن تراكم العقد الاجتماعية في ظل مبدأ القوي يسحق الضعيف والغني يقوى على الفقير. * ما مدى استمرار تأثيره؟ - التأثير لا يزول بمرور الزمن اذا كان الكتاب الذي نتصفحه يعكس روحاً شفافة خالصة سواء كانت كهفية او مضيئة المهم أن تحلل كنه الواقع وتضيء على المشاكل التي تطغى فيه دون مبالغة ولا نقصان. هناك كتب لأدباء خالدين ما زالت تتصدر أرواحنا قبل رفوف المكتبات فننهل منها بلا كلل.. هناك كتابات أحدثت ثورات وأخفقت أخرى. وكتابات خلدت أناساً وسحقت آخرين.. الكلمات سيف مسلط على رأس الواقع الظالم تنهره وتقلبه وتحلله.. * هل ترين أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ - القراءة هي بعث وإحياء.. الكاتب هو خالق والكتاب هو المخلوق الذي يرسم الغد ويحدد معالمه. فينأى لما وراء الطبيعة بأفكاره ويصلب الرذائل في زاوية النقد النافذ.. تلك الميتافيزيقيا التي تتحدى الطبيعة للماورائيات وتحث الذاكرة الضمنية للفرد بأن تحفظ معالم الأشياء وتكون بعثاً لها للثورة والتحرك والانعتاق.. سواء في الماضي أو في الوقت الحاضر تعتلي الكتابة صدر المجتمعات وتجتبي من الفكر كل ارتقاء حتى تغدو كالنور المتسلل من الشمس ليضيء رويداً رويداً عمق الجاهلية والجهل المظلم. حتى الشعارات تنقل عن ما غرفه الناس من زاد الكتب فترسخت في ذاكرتهم وعبرت في دهاليز أرواحهم. غربلة القراءة هي تماماً كغربلة الناس فالصالح منها يحرك ويؤثّر ويحكم أجيالاً أما الطالح فيضيع في زحمة الأشياء المتناثرة كأي شيء ضئيل.. وقد قال سقراط وهو يشرب كأس السم ساعة اعدامه: «ويل لرجل سبق عصره وزمانه». فالقوي هو من يكون حاد البصيرة والغني هو الثري بعقله ورجاحته...