تحمل الموسيقى التي يقدمها الفرنسي جاسون كوشاك نكهة خاصة، فهو يمزج بين الشرق والغرب، ويقودنا من خلال النغم الى عالمه الخاص والمنفرد. يجيد كوشاك الإصغاء الى الطبيعة، تماماً كما يجيد العزف على البيانو، فيقحمه في أنغامه، ما يجعل الموسيقى التي يقدمها منتمية الى المكان، وكل ما يحيط بها، بدءاً من الطبيعة ووصولاً الى الجمهور وتفاعله. يعمل كوشاك حالياً على مزج الموسيقى الغربية بالشرقية فيطعّمها بنغم المقامات، وقد حدثنا عن تأثره بالشرق وتطور عزفه، وغيرها من الأمور، في هذا اللقاء على هامش المحاضرة التي قدمها في مركز دبي الدولي للكتاب في دبي أخيراً. جسر التناغم قدّم الموسيقي جاسون كوشاك محاضرة بعنوان جسر التناغم، وعزف خلال اللقاء مجموعة من المقطوعات الموسيقية، وتحدث خلال العزف عن الحوار الموسيقي بين الشرق والغرب، طارحاً العديد من الأمثلة، ومنها أغنيات فيروز التي شبّه أحد ألحانها بألحان موزارت. كما تحدث عن التفاعل بين الفنان والجمهور في الموسيقى الشرقية، مستحضراً حضور الفنان صباح فخري على المسرح، وكيف يرقص ويتفاعل الجمهور معه. ولفت خلال اللقاء الى أهمية وجود حكاية في الموسيقى، بحيث يتضمن العزف جانباً روائياً، يمكن من خلاله أن يطرح المتلقي علامة استفهام، لاسيما من خلال التكرار الذي يكون في التركيب الموسيقي. وأشار الى أن التقنيات في العزف من شأنها أن تبلغ المتلقي الفرح والسعادة أو العنفوان، وهذا يكون من خلال المسافة الفاصلة بين النوتات. ولفت خلال اللقاء الى أن هذه الزيارة لدبي هي الثانية، وقد استمتع في هذه الإمارة، خصوصاً في تعرّفه إلى الصحراء وتفاعل الموسيقى معها. وقال عن بدايته في عالم الموسيقى، ولدت في مدينة ليون بفرنسا، وتعلمت البيانو من والدتي، فكانت تعزف الموسيقى، وكنت ألاحق الارتجاج الناتج عن العزف، فكنت أجلس تحت البيانو، وأصغي الى هذه الارتجاجات، وكنت أستمتع بهذا الشعور، ولكن بعد فترة تركت فرنسا وانتقلت الى لندن، وتعلمت عزف البيانو وبدأت أؤلّف الموسيقى الخاصة بي هناك. وتأثر كوشاك بمجموعة من الموسيقيين، منهم يوهان سبستيان باخ، وفولفغانغ موزارت، ولودفيج فان بيتهوفن، ولكن يبقى تأثره الأكبر بفرانس شوبرت، منوهاً بأنه يحاول من خلال الموسيقى أن يشعر النغم ويفهم قواعده. وأشار الى أن انفتاحه على كل أنواع الموسيقى، والاختصار فيها، وكذلك إصغاءه للطبيعة جعله قادراً على أن يبتكر ما يسميه الموسيقى الحديثة العمر، والتي تحمل الكثير من الأصوات الموجودة في الطبيعة، فتمتزج الترددات مع بعضها بعضاً، فصوت الريح في الصحراء يؤثر كثيراً في العزف وطبيعة النغم. ويعتبر كوشاك أن الطبيعة من الأمور التي تؤثر في الفنان، وليس الطبيعة التي تحيط الفنان حين يعزف في الهواء الطلق فحسب، بل أيضاً طبيعة الجمهور المحيط، فرؤية الناس وهم يتمايلون على أنغام الموسيقى، وكذلك كيف يتفاعلون معها، كلها تؤثر في الفنان. بينما رد غياب الموسيقى الكلاسيكية من عصرنا، الى طبيعة التكنولوجيا التي تؤثر في حياتنا، وكذلك الحياة القصيرة لأي موسيقي، فكلها عوامل أثرت في طبيعة الموسيقى ومدة المقطوعات، فتحول الموسيقيون الى القطع القصيرة. تعرّف كوشاك الى الموسيقى العربية من خلال مجموعة من الفنانين، منهم صباح فخري وفيروز، وقال، إن الموسيقى العربية تمتاز بكونها تحمل خاصية المقام، الأمر الذي أثر كثيراً في الموسيقى الخاصة بي، وإن المقام المفضل لديه هو الحجاز الذي يحمل خاصية المطاردة والغموض، فهناك تنقلات في النغم وفواصل موسيقية بين النوتات، وهي مختلفة عن الموسيقى الغربية، وهذا النوع من الفواصل أثر بي وألهمني في الموسيقى التي أؤلف. ورأى أن الجمهور الغربي يتفاعل مع هذا النوع من الموسيقى، ولهذا فالجمهور يتقبل هذه الموسيقى، لاسيما مع تطويع الآلات الموسيقية لتقديم المعزوفات، منوهاً بأن المقام يتطلب الآلات الشرقية، ومنها الناي والقانون، لاسيما أن الآلة الأخيرة تحمل الكثير من الأوتار. أما الجسر من النغم والذي كان عنوان المحاضرة التي قدمها في مركز دبي الدولي للكتاب، فلفت الى أنه يكمن في لفت الانتباه وكذلك في الاستماع، مفرقاً بين السمع والإصغاء، فالأداء على المسرح يجعل المتلقي يستمع الى أشياء لا ترى، ويحلق في مكان بعيد. أما فن الإصغاء فاعتبره كوشاك من الأمور التي تتطلب مساحة مميزة للاستماع للموسيقى بعمق، والتنفس بشكل جيد من دون وجود أي شيء يعيق هذا الإصغاء، وان هذا يوجد مساحة في التنفس وكذلك يبني علاقة، ما يوجد نوعاً من التفاعل. وأشار الى أن الاستماع للموسيقى في السيارة أو المنزل دون وجود هذا النوع من الإصغاء مهم وأساسي أيضاً، فلابد من أن يكون المرء قادراً على الاصغاء والاستماع. أما المزج بين الموسيقى والكلام في الأغنيات فاعتبره من الأمور المهمة، لأن الايقاع الخاص بها يقود الى عالم آخر، فشخصياً حضرت أمسية خاصة لإلقاء الشعر العربي منذ عامين، ولم أكن أفهم اللغة العربية ولكني استمتعت كثيراً بالإلقاء، والموسيقى الخاصة بالتغني بالكلام والمشاعر، وكذلك اللحن، وهذا يعني أن هناك جسراً من العواطف يُبنى من خلال تلحين الكلام. أما النوتات الموسيقية التي تقسم الى بسيطة وأساسية، فهي التي تتحكم في الشعور الذي ينتاب المرء من الاصغاء للموسيقى، فالبسيطة تسبب الشعور بالحزن، بينما الاساسية تمنح المستمع الشعور بالفرح، بينما المسافة بين الاثنين تكون بسيطة جداً، وهي التي تقود الى الاختلاف في المزاج، كما أوضح كوشاك، الذي رأى أن أهم ما في الموسيقى هو التغيير في المزاج، فليس مهماً المستوى الذي فيه المرء، بل كيف يتبدل ويتغير مزاجه.