×
محافظة المنطقة الشرقية

جامعة جازان.. عميد خدمة المجتمع يحاضر طلاب أبو عريش عن القدرات

صورة الخبر

لم يكن ابتلاع شبه جزيرة القرم وليّ ذراع أوكرانيا وربما دول الاتحاد الأوروبي مجتمعةً، على يد القيصر الروسي الجديد فلاديمير بوتين، إلا أول الغيث. ذلك أن عقيدة بوتين السياسية تستمدّ ثوابتها من شوفينية غرائزية، كان قد أسّس لمرجعيتها الروحية في أروقة الكنيسة الأرثوذكسية، محاولاً إسباغ الشرعية اللاهوتية على مغامراته الحربية الاستعراضية التي شقّت طريقها إلى الأجواء السورية، عبر صواريخ كروز العابرة للحدود والمنطلقة من بحر قزوين، ما اضطر إيران لتعطيل منظومتها للدفاع الجوي لتيسير مرور صواريخ القيصر عبر أراضيها باتجاه أهدافها العسكرية في سورية. هذا كله يتم بغضّ طرف أوروبي وأميركي لافت لهذا الخرق المباغت لقواعد الاشتباك والتحالفات القائمة في حروب الشرق الأوسط، والاكتفاء بإطلاق البيانات الشاجبة للتغوّل البوتينيّ أو التهديد بمزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا. ونكاد لا نعرف تماماً، ما إذا كان بوتين، الصاعد على متن مقاتلاته الأحدث من طراز سوخوي 34 إلى قمة شجرة الحرب الوحشية في سورية، يجيد النزول الآمن عنها ببهلوانية الطريقة نفسها التي صعد بها! فكل الإشارات تفيد بأن هناك تململاً إيرانياً من تصاعد الدور الروسي واستفحاله في سورية، بعدما كانت طهران في القلب من صياغة القرار العسكري للنظام السوري، بل المدبّرة والمنفّذة له في معظم الحالات. وما الزيارة التي قام بها رئيس مجلس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، الى سورية أخيراً، ولقاؤه رأس النظام السوري بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم، إلا صورة واضحة عن العصبية التي تصيب طهران بالنظر الى حجم التدخل الروسي في سورية، والذي تجاوز كما يبدو ما اتفق عليه مع بوتين قبيل الغزو المباشر في 1 تشرين الأول (أكتوبر). يبدو المشهد الأميركي في ظلّ هذه الأجواء الدولية الملبّدة بغيوم الحرب الثقيلة، بموازاة الأجواء السورية المزدحمة بالمقاتلات الحربية المتعدّدة الجنسيات، رمادياً بامتياز، بحيث يكتفي البنتاغون بمطالبة روسيا بتأمين السلامة الجوية لمقاتلات البلدين بعدما التقى طيار أميركي بطيار روسي في سماء الرقة، ووقعت العين بالعين من زجاج الخوذة وكلٌّ في طائرته مرابط! أما الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يريد ضمنياً لبوتين أن يجرِّب بنفسه الخوض في الرمال السورية المتحركة ويذوق انزلاقاتها وتداعياتها كما ذاقتها الولايات المتحدة في العراق، فلن يمدّ يده لإنزال نظيره اللدود من علوّ تلك الشجرة الوحشية، بل هو رفض عرضاً روسياً بتشكيل وفد لزيارة موسكو بدعوة من وزارة الدفاع الأميركية للتنسيق بين البلدين في شأن العمليات العسكرية في سورية. فأوباما ببساطة، سيغادر الحكم قريباً تاركاً إرث المعضلة السورية الثقيل لمن سيخلفه في مكتبه البيضاوي، غير آبه بعواقب التراخي والانكفاء في سطوة أميركا القوية، ما أودى إلى تغايرات شديدة في التوازنات الدولية رجّحت الكفّة هذه المرّة لمصلحة القيصر الأوراسي الصاعد. وليست حالة الهوس الأميركي والأوروبي الغربي التي رافقت وصول رئيس أسود إلى رئاسة الولايات المتحدة في 2008، مفصولة عن الهوس الشرقي المقابل بالعقيدة السياسية لقيصر روسيا القادم على عربة من نار الحروب الإقليمية يضرم لها المرجل هنا وهناك. تلك الهالة البوتينيّة المشتعلة تمكّن أن يجمع حولها توافقاً شعبياً مطلقاً في روسيا الاتحادية مرفوعاً على دعائم ثلاث: الاعتقاد العميق بالكنيسة الأرثوذكسية ومرجعيتها، والانتماء «الأوراسي» الراسخ باعتباره قدراً يؤمن به الروس ويعملون في ظلّه على إحياء روسيا القيصرية واستعادة روح الإمبراطورية، أما الثالثة فتقوم على حالة من التحفّز العسكري في مواجهة عدو خارجي مفترض يعدّ له بوتين العداد بروح الغازي المكتمل بمعموديته الكنسية. يبقى في الجعبة العسكرية، شرط مجازي واحد هو ألا يختلف العملاقان، الروسي والإيراني، على تقاسم النفوذ على أرض الأضرحة المقدّسة، شيعية كانت أم أرثوذكسية، والتي تغالب التاريخ على التراب السوري المثخن بجراحه.