لم يستقبل الجمهور نبأ دخول كاظم الساهر في عالم الدراما بشكل عادي، بل كان هناك احتفاء كبير يعبر عن احترام الناس لمكانة الساهر ولقيمته في فضاء الفن العربي، وترقباً لمسلسله الذي يصوره هذه الأيام بعنوان "مدرسة الحب" والذي يترجم بشكل ما ألبومه الغنائي الشهير الذي يحمل نفس الاسم وصدر قبل نحو 18 عاماً. كان الاحتفاء عالياً من الجمهور والنقاد على حد سواء، لثقتهم في أن قيصر الأغنية العربية لن يظهر بشكل عادي، حتى وإن كان دوره مجرد راوٍ للأحداث في المسلسل، وذلك لأنه ليس مغنياً فحسب، بل فنان درامي في صميمه، وما أغانيه الرائعة إلا ترجمة للإحساس الدرامي الذي يمتلكه، من حيث احتوائها على بناء روائي وتسلسل وحدث وصراعٌ إما بين الحبيب ومحبوبته أو بين الحبيب وبين ذاته، مقتفياً في ذلك أغاني عبدالحليم حافظ في أفلامه السينمائية، في عمقها وتبدل حالاتها الشعورية. ابتدأ كاظم الساهر تقديم الدراما الغنائية في بداية شهرته بعد نجاح أغنية "عبرت الشط" وتناول في معظم أغانيه هذا السياق المختلف عن غيره، وتجلت دراميته في رائعة نزار القباني "إني خيرتك فاختاري" والتي ساهمت في انتشار كاظم الساهر عربياً وأقنعت نزاراً "رحمه الله" بالتنازل عن بقية قصائده للساهر. ولهذه القصيدة بالذات قصة مع الراحل طلال مداح حيث سبق أن لحنها بأسلوب شرقي منتمٍ ل"الوهابيات" بغية تنفيذها موسيقياً في آواخر سنوات عمره، لكن بعد أن طرحها كاظم الساهر عام "1994" أوقف تنفيذها على الفور، إعجاباً بما صنعه الساهر فيها من جمال في الموسيقى واللحن. وعندما سئل طلال مداح حينها عن مصير اللحن الذي صاغه بنفسه لقصيدة "اختاري" أجاب بتواضع الكبار: "الحمد لله أنني لم أستعجل وأطرح لحن القصيدة قبل كاظم الساهر"، يقصد بذلك أن الأغنية التي قدمها المطرب العراقي كانت من الكمال بحيث لا يرضى منافستها. وقد أثنى طلال، بعفويته الساحرة وتواضعه الكبير، على ما قدمه الساهر من بناء موسيقي فخم أثبت من خلاله أن الأغنية ليست صوتاً جميلاً فقط بل بناء درامي معقد يتناغم فيه اللحن مع تحولات القصيدة وتبدلاتها الشعورية والنفسية. ذات مرة سألت كاظم الساهر في مهرجان الأغنية العربية عن الحس المسرحي -الدرامي- في الأغنية: هل هو شعور بالكلمة والموسيقى أم هو تمثيل وإيهام للجمهور؟. فقال إنه لا يمكن لمطرب أن يتفاعل مع الكلمة والموسيقى، إلا إذا كان واعياً ومدركاً لتفاصيل النغمة الموسيقية وعلاقتها اللحظية بمعنى الكلمة ودلالاتها وأبعادها النفسية، هذا الوعي سيجعل الفنان متماهياً مع الأغنية، متفاعلاً معها بالأداء الحركي وتفاصيل الوجه، وهذه المشاعر لن تصل للناس إلا إذا كان الفنان مقتنعاً بصدقها مستوعباً لها. منذ بدايات كاظم الساهر وهو مُتعمق بالدراما التفصيلية في الأغنية، وجاء نجاحه فيها ليمنح الجمهور ثقة في أن هذا الفنان هو الأقدر والأقرب للأعمال ذات النفس الملحمي، وذات البناء الفني المعقد، سواء الغنائية أو التلفزيونية، ولهذا كان الاحتفاء الكبير من الجمهور بنبأ مشاركته في المسلسل التلفزيوني الجديد "مدرسة الحب". وصدق طلال مداح "رحمه الله" عندما قال إن كاظم الساهر بات الفنان العربي الأول الذي يذكرنا بالفن الجميل في شعوره بالموسيقى والكلمة والأداء.