* دور بعض تلك الجهات في ملف البطالة، اقتصر على التصريح عند افتتاح مشروع أو توقيع اتفاقية بأن النتيجة توفير «كذا ألف» وظيفة من هذا المشروع أو الاتفاقية. يتبع ذلك إيضاح بأن المقصود «فرصة عمل» وليس «وظيفة مباشرة» وعلى المتلقي البحث عن الفرق بين التعريفين!! في 1400/07/12هـ صدر قرار مجلس الوزراء رقم (122) المتضمن الاطلاع على توصية اللجنة الوزارية الموحدة للعمالة (برئاسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله) التي ناقشت «مشكلات العمالة السعودية والأجنبية والصعوبات التي تواجه الجهات المسؤولة عن تنفيذ برامج التدريب في المملكة..»، والموافقة على إنشاء مجلس للقوى العاملة يرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء ويكون مسؤولاً عن التخطيط للقوى العاملة وتنميتها وتدريبها كما تضمن القرار: «الموافقة على دمج مراكز التدريب والمعاهد التابعة لوزارة العمل، والمعاهد الفنية التابعة لوزارة المعارف في مؤسسة واحدة»، ويكون تشكيل مجلس القوى العاملة على النحو الآتي: (وزير الدفاع والطيران رئيساً، وزير الداخلية نائباً للرئيس، وعضوية نائب وزير الداخلية، ورئيس الاستخبارات العامة، ووزراء الخارجية، التعليم العالي، العمل والشؤون الاجتماعية، التخطيط، الصناعة والكهرباء، المعارف، المالية والاقتصاد الوطني، ورئيس ديوان الخدمة المدنية، ونائب رئيس الحرس الوطني المساعد). في 1400/08/10هـ صدر أمران ملكيان برقمي (م/30) و(م/31)، قضى الأول بالموافقة على إنشاء المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، والثاني بالموافقة على نظام مجلس القوى العاملة. عمل مجلس القوى العاملة لمدة ربع قرن تقريباً حتى صدر قرار مجلس الوزراء رقم (27) وتاريخ 1425/02/01هـ القاضي بفصل وزارة العمل عن الشؤون الاجتماعية وإنهاء عمل مجلس القوى العاملة ونقل اختصاصاته وصلاحياته إلى وزارة العمل. منذ ذلك التاريخ تصدرت وزارة العمل المشهد فيما يتعلق بملف (مكافحة البطالة) -التي كانت وما زالت مع ملف (الإسكان) أبرز مشكلاتنا المحلية الملحة- مما أعطى انطباعاً بأن وزارة العمل والقطاع الخاص هما فقط المسؤولان عن (مكافحة البطالة). أسهم في ذلك -مع الأسف- بعض الكتاب والإعلاميين والأكاديميين ناسين أو متناسين أدوار الوزارات والجهات المعنية بالتوظيف والتدريب كالخدمة المدنية والتعليم والجامعات ومعهد الإدارة العامة والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. وكذلك الوزارات المعنية بالملفات الاقتصادية وجذب وتسهيل الاستثمار وإيجاد فرص العمل والتنمية المتوازنة والمستدامة كوزارة الاقتصاد والتخطيط والمالية والتجارة والصناعة والهيئة العامة للاستثمار، وهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية وغيرها من الجهات، وكأني بها تقول: وإياك والأمر الذي إن توسعت موارده ضاقت عليك المصادر دور بعض تلك الجهات في ملف البطالة، اقتصر على التصريح عند افتتاح مشروع أو توقيع اتفاقية بأن النتيجة توفير «كذا ألف» وظيفة من هذا المشروع أو الاتفاقية. يتبع ذلك إيضاح بأن المقصود «فرصة عمل» وليس «وظيفة مباشرة» وعلى المتلقي البحث عن الفرق بين التعريفين!! ومع ذلك لا أحد يسأل هل فرص العمل هذه مناسبة للسعوديين وما هي قيمتها المضافة؟ تلك الوعود التي لو تحقق جزء منها لما وجدت لدينا مشكلة أصلا ولأغلقنا ملف البطالة. في ظل غياب الرؤية الواضحة والتعامل والتكامل بين الجهات المعنية بهذا الملف تفاقمت المشكلة. جهود كثيرة بُذلت، مبادرات أُطلقت، صناديق اُنشئت، مليارات اُنفقت، وأنظمة عُدلت. تلك الجهود المبعثرة عالجت بعض الأعراض وأسهمت في حلول موضعية مؤقتة، ومع ذلك فأرقام البطالة في ازدياد وأعداد الوافدين بلغت ثلث عدد السكان! كما تأزمت العلاقة بين وزارة العمل من جهة والمجتمع والقطاع الخاص من جهة أخرى والنتيجة «لم يرض أحد». تَولي وزارة العمل عدة ملفات متقاطعة ومتشابكة تحت (ملف البطالة) المعقد أصلاً، مثل توظيف المرأة، والاستقدام والتأشيرات (بما في ذلك العمالة المنزلية)، إضافة إلى تأهيل وتوظيف السعوديين، جعل الوزارة في مرمي النيران. وإن كانت استطاعت وباحترافية إدارة المعركة الإعلامية- إلى حدٍ ما- وحاولت إيصال رسالتها. عند إقرار (استراتيجية التوظيف السعودية) عام 1430هـ، أدركت وزارة العمل أنها لن تستطيع تنفيذ هذه الاستراتيجية في ظل تخلي الجهات الأخرى عن أدوارها لذا سعت إلى إنشاء مرجعية موحدة تضم جميع الجهات المعنية. كثير ممن تطرقوا لموضوع البطالة والسعودة، تناولوا جوانب من المشكلة دون التعمق في جذورها مثل (إصلاح بيئات العمل، غياب التصنيف والتوصيف الوظيفي، ضعف الإرشاد والتوجيه المهني، اختفاء المسارات الوظيفية، انخفاض معدل الإنتاجية للعامل، تدني مستوى الأجور وعدم وجود سلم واضح للرواتب في كثير من منشآت القطاع الخاص، إضافة إلى الجوانب السلوكية والتربوية وتلك المتعلقة بالتأهيل والتدريب). هذه كلها متطلبات أساسية وقضايا ذات علاقة مباشرة بحلحلة هذا الملف الشائك. الجانب الآخر المسكوت عنه والأكثر أهمية هو نوعية الوظائف وإنتاجيتها، فعلى مدى سنوات شُغلِنا بالتوظيف الكمي للسعوديين على حساب التوظيف النوعي. التقرير السنوي لوزارة الاقتصاد والتخطيط لعام 2014م أوضح أن القطاع الخاص غير قادر على حل مشكلة البطالة لسببين، الأول أن غالبية الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص هي وظائف غير ماهرة ولا تتطلب مستوى تعليمياً مرتفعاً مما يجعل إحلال العمالة الوافدة بعمالة وطنية واستيعاب الأيدي العاملة الوطنية ضعيفاً لأن أغلب العاطلين السعوديين من الجامعيين. السبب الثاني أن مجالات وفرص العمل في القطاع الخاص للإناث محدودة. فماذا يعني ذلك؟ اختلالات سوق العمل هي أعراض لأمراض الاقتصاد الكلي وعدم قدرته على توليد الوظائف المناسبة. لذا لم تنجح كل المحاولات لمعالجة (العرض) خلال الخمسة والثلاثين سنة الماضية وعلينا معالجة (المرض). من هنا جاء قرار مجلس الوزراء الأخير بالموافقة على تنظيم هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة (من خلال التنسيق بين جميع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بسوق العمل وتعزيز المشاركة بينها والعمل على تنمية القطاعات المولدة للوظائف واستثمار الميزة التنافسية في مناطق المملكة لهذا الغرض). البطالة مشكلة مؤرقة لكثير من حكومات العالم. التنمية المستدامة والقدرة على توفير الوظائف المناسبة واللائقة وبأجور مناسبة للمواطنين من خلال جذب وتسهيل الاستثمار ومنح الامتيازات للقطاعات المولدة للوظائف النوعية والمنتجة، يتطلب إصلاحات هيكلية واقتصادية كبرى مما يشكل تحدياً حقيقيا لهيئة توليد الوظائف (الوليدة). المهمة صعبة لكنها قطعاً ليست مستحيلة، كما يمكننا الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة في مكافحة البطالة. هذه علتي وأنت طبيبي ليس يخفى عليك في القلب داء