تكثر على ساحل الإمارات مساحات كبيرة من أشجار القرم- أو المنغروف، وتنتشر في العديد من المحميات الطبيعية في الدولة ،وتصنف هذه الشجرة من جنس نباتات الأيكة الشاطئية التي تعيش على الماء المالح في منطقة المد والجزر عند الشواطئ. وعرف العالم هذه الشجرة منذ القدم ،وكتب عنها العالم الإغريقي ثيوفراستس الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد ،واستعرض بعض الفوائد الطبيعية لها. وتتصف هذه الأشجار بسماكة أوراقها والتي لا يوجد فيها أشواك ،بينما تمتد جذورها في قاع البحر، ويبلغ ارتفاعها من مترين إلى 4 أمتار وتجتذب أنواعاً كثيرة من الطيور البرية والبحرية ،وذلك للاحتماء بها من الحيوانات وحرارة الشمس في وقت الظهيرة ،إذ تحقق هذه الأشجار تكيفاً طبيعياً عند مرور الهواء عبرها، كما تتجمع الأسماك قريباً منها ،بالإضافة إلى أنها تحافظ على التوازن البيئي وحماية الكائنات من خطر الانقراض. وتغطي أشجار القرم مساحة 75 كيلومتراً مربعاً بالدولة وتضم الإمارات أحد الأنواع النادرة الذي يطلق عليه القرم الرمادي أو المعروف باسم أفيسينيا مارينا وتنمو غابات القرم في المناطق التي تقع بين خطي المد والجزر وتسهم إسهاماً كبيراً في الحفاظ على البيئة ،حيث تحمي السواحل من عمليات التعرية الناجمة عن الأمواج والتيارات البحرية وتلعب دوراً فعالاً في الحد من الانبعاثات الكربونية ،ما يسهم في خفض آثار تغير المناخ. وتنمو أشجار القرم في درجات حرارة منخفضة لا تزيد على 35 درجة مئوية وفي مياه قليلة الملوحة ، ما يجعل المحافظة عليها تحديا جسيما للدولة ،حيث ترتفع درجات الحرارة فيها فوق 35 درجة مئوية خلال أشهر الصيف ، وقد تم استخدام أشجارها في الماضي كمواد خام لبناء البيوت والسفن بسبب صلابتها ومقاومتها العالية للتعفن والنمل الأبيض، فضلاً عن كونها مصدراً رئيساً للغذاء والوقود والخشب. وتعتبر أشجار القرم كنزاً بيئياً فهي ذات أهمية اقتصادية وبيولوجية كبيرة لاحتضانها العديد من الكائنات البحرية ،حيث تقوم بيئة الجذور بوظيفة محاضن طبيعية للثروة السمكية إذ تعتبر ملجأ للأسماك الصغيرة ،كما تعتبر الحاضن الطبيعي الوحيد للروبيان وفي نفس الوقت تقوم بحماية الشواطئ من التآكل ،كما تستخدم مأوى لتعشيش الطيور. وتصنف مستنقعات القرم على أنها من أغنى البيئات في البيئة البحرية ،وتتميز أشجارها بمقاومتها الشديدة للملوحة ،كما تتميز بنمو جذور هوائية من مجموعها الجذري المتشعب المغمور تحت سطح الماء ،حيث ترتفع فوق السطح بارزة كأعمدة صغيرة لتسهل للجذر المغمور الحصول على الهواء الجوي والقيام بالتنفس. وبالإضافة إلى دورها في الحفاظ على التنوع البحري والبري فإن للمحمية سحرها الخاص الذي تبدو ملامحه على الزوار الذين يفدون إلى المكان للاستمتاع به، حيث لا يمكن الإحساس بالوحدة أثناء الجلوس على المقاعد التي تحيط بها أمام الكثافة الخضراء وخرير المياه وحركة الحيوانات البحرية الدائمة، إضافة إلى أصوات الطيور المتسارعة إلى الآذان من كل صوب وحدب ما يجعل من المكان عالماً جميلاً تملأه الحيوية والانبهار. وتغطي أشجار القرم في إمارة رأس الخيمة مساحات كبيرة ،ويعد خور مدينة رأس الخيمة الذي يقسمها قسمين محمية طبيعية للطيور والأسماك لما تتميز به من موقع فريد في الإمارة ولمساهمتها في الحفاظ على أنواع الحياة البرية والبحرية وعلى حياة أنواع مختلفة من الطيور. (وام)