ترعبنا الصحف بما تبثه من حالات تردي بعض المدن في مختلف المناطق. وليكن فاتحة المقالة السؤال التالي: ما الذي يحدث تحديدا؟ فالدولة تنفق بالمليارات منذ زمن بعيد، والوزراء يتغيرون بين الحين والآخر وكذلك بقية المسؤولين عن هذه المدن.. كل شيء يتغير بينما لم يتغير حال المدن والشكوى من ترديها الدائم. وفي هذا التردي تنهض كل جهة مظهرة همتها بأنها تسعى لبناء البنية التحتية، ولو تم احتساب ما أنفقته الدولة منذ طفرة السبعينات إلى الآن لأصلحت تلك الميزانية البنى التحتية لكوكب المشتري أو المريخ. فأي بنى تحتية هذه التي (لا تخلص) فكلما اكتشفت عورة مدينة نهض مسؤولوها متذرعين بأن البنى التحتية للمدينة لم تنته بعد، وليت أن هذا العذر يقال عن أطراف أي مدينة، فغالبا ما تجد أن قلب المدينة هو المتضرر الأول، وهذا يشير إلى أن كل ما أنفق لم يثمر عن مشاريع ناجحة أو أن تلك المشاريع لم تكن وفق خطط مستقبلية راعت النمو السكاني والاحتياجات المختلفة أو لم يوفر لتلك المشاريع الصيانة اللازمة أو حدث تلاعب في المواصفات أو نفذ النصف وأكل الفساد النصف. مليارات لا تعد ولا تزال المدن تئن بمشاكلها وليت أن هذه المشاكل تخص المدن النائية أو البعيدة عن العين، فالكارثة أن المدن الكبيرة والرئيسة تشترك مع المدن الصغيرة في هذه الأمراض. وإذا كانت الدولة تصرف من سعة والمسؤولون في هذه المدن يتغيرون باستمرار والمشاكل لا زالت تتناسخ، إذن أين الخلل؟ هو السؤال المشروع والذي كان أولى بمناقشته في مشروع الحوار الوطني ذلك المشروع الذي خلع رداء الحوار وتحول إلى مؤتمرات تسيل فيها الكلمات ولا تجد لها تصريفا مثلها مثل المدن الغارقة في مياهها الآسنة. ولأننا لا نبحث عن أسباب الإخفاقات المتتالية، يصبح ظهور سؤالي هذا (أين الخلل؟) أشبه بظهور دونكيشوت في معركته الخائبة والحالمة بهزيمة الريح. ولأني جردت سيفي لمواجهة هذا السؤال، سأقول لكم: مع وجود معطيات على أرض الواقع تلك المعطيات المتمثلة في الإنفاق المهول، وفي تغير المسؤولين وبقاء مشاكلنا كما هي، يصبح الاستنتاج المنطقي بقاء آفة الفساد الإداري.. كل شيء يتغير إلا الفساد الذي يسقط أي نهوض أو تنمية.