ثمة تحوّل أخذ يشق طريقه على صعيد معدلات إنتاج واستهلاك الطاقة النووية في العالم. هذا التحوّل يشير إلى اتجاه نزولي في مؤشرات هذه الطاقة، دون أن يكون هناك ما يعوضه على المدى القصير، وربما المتوسط. وتواجه الطاقة المتجددة تحديات عديدة لسد الفجوة الحاصلة، ومن بين ذلك ضرورة وجود شبكة قارية تسمح للدول بنقل فائض الإمدادات من موارد الطاقة المتجددة عبر الحدود. ويعتبر اليورانيوم أكثر أصناف الطاقة فاعلية، فالطاقة الكامنة في سنتيمتر مكعب منه تعادل طاقة 60 ألف لتر من البنزين، أو ما بين 110 و160 طناً من الفحم الحجري، أو نحو 60 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي. تفيد المؤشرات الجديدة إلى أنه في العام 2012، انخفض إجمالي توليد الطاقة النووية السنوي على المستوى العالمي بنسبة غير مسبوقة، بلغت 7%، وهو ما يتجاوز الانخفاض القياسي الذي حدث عام 2011، وبلغ 4%، الأمر الذي دفع إجمالي توليد الطاقة النووية السنوي إلى انخفاض قدره 12% عن المستوى التاريخي الأقصى الذي تحقق في العام 2006. وهبطت حصة الطاقة النووية في توليد الكهرباء على مستوى عالمي إلى نحو 10% عام 2012. في المقابل، كان الاستهلاك العالمي من الطاقة النووية قد ارتفع عام 2010 بنسبة 2% عن مستوياته عام 2009، التي سجلت أعلى مستوى من الاستهلاك، خلال العقد الماضي، بواقع 635.4 مليون طن مكافئ النفط (toe). ويقصد بهذه الوحدة كمية الطاقة الناتجة عن احتراق طن واحد من النفط الخام. وهي تساوي 4400 كيغاوات/ ساعة من الطاقة الكهربائية في المحطات الحديثة. وبلغ إجمالي استهلاك العالم من الطاقة النووية، عام 2010، ما يعادل 626.2 مليون طن مكافئ نفط. وتفيد الأرقام المثبتة مطلع العام 2011، بوجود 433 محطة طاقة نووية مدنية، تنتشر في 31 دولة، وتوفر 13.5% من إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة الكهربائية. ولا يشمل هذا الرقم المفاعلات الصغيرة، التي تستخدم لأغراض علمية وطبية، والمنتشرة في الكثير من دول العالم. وتشير التقارير الدولية إلى أن مجموع الاستثمارات المالية، المتوقع ضخها في تشييد محطات جديدة للطاقة النووية، على صعيد عالمي، قد يصل إلى 300 مليار دولار مع حلول العام 2020. وهناك حالياً 66 مفاعلاً نووياً تحت الإنشاء، ويقع ثلثا هذا العدد في ثلاث دول هي الصين والهند وروسيا، منها 28 في الصين وحدها. وكان متوسط زمن بناء المفاعلات ال34، التي بدأت العمل على مدى العقد الماضي، يصل إلى عشر سنوات تقريباً. ويبلغ متوسط عمر المفاعل النووي 28 عاماً. وتفيد مؤشرات العام 2010، إلى أن الطاقة النووية تساهم ب 74.1% من الإنتاج الكهربائي في فرنسا، و51.8% في سلوفاكيا، و51.1% في بلجيكا. وجاءت هذه النسبة في أوكرانيا 48.1%، هنغاريا 42.1%، أرمينيا 39.4%، السويد 38.1%، سويسرا 38%، سلوفينيا 37.3%، التشيك 33.3%، بلغاريا 33.1%، كوريا الجنوبية 32.2%، اليابان 29.2% ،ألمانيا 28.4%. وفي الوقت الحالي، لا تزال معظم المحطات النووية في اليابان مغلقة، كما أغلقت تسعة مفاعلات نووية في كوريا الجنوبية، ستة لأعمال الصيانة، وثلاثة لاستبدال كابلات، تم توريدها باستخدام شهادات سلامة مزورة. وجاء الإعلان عن معدل تسرب المياه المشعة في محطة فوكوشيما بمثابة اعتراف بأن مخاطر الحادث أسوأ مما كان متصوراً، وأن المحطة التي تديرها شركة كهرباء طوكيو لم تعرف أبعاد الكارثة، حتى بعد مرور أكثر من عامين على وقوعها. وتتسرب المياه المشعة من المحطة إلى المحيط الهادي، لكن لم يتضح حجم الخطر الذي تشكله. وقد تعهد رئيس الوزراء، ناوتو كان، في السادس من آب/ أغسطس 2011، بالعمل على إنهاء اعتماد البلاد على الطاقة النووية. وأكد كان أن اليابان يجب أن تغيّر سياستها في مجال الطاقة، في ظل الأزمة الناجمة عن كارثة فوكوشيما. كذلك، قررت ألمانيا، في 29 حزيران/ يونيو من العام 2011، إغلاق منشآت الطاقة النووية في البلاد بحلول العام 2022. وأعلنت السلطات أن المفاعلات السبعة القديمة ومفاعل كروميل ( التي أوقفت فور كارثة مفاعل فوكوشيما الياباني ) لن تستأنف نشاطها، بينما ستغلق ستة مفاعلات أخرى بحلول العام 2021. أما المفاعلات الثلاثة الأخيرة فستغلق مع حلول عام 2022. وفي منطقة أخرى من العالم، قررت شركة ديوك إينرجي، وهي كبرى شركات المرافق العامة في أميركا، تجميد خططها لبناء مفاعلين في ولاية فلوريدا، بعد أن أنفقت مليار دولار على المشروع. وجاء هذا القرار في العام 2013، قبل ثلاثة أشهر فقط من تخلي الشركة عن استثماراتها في وحدتين جديدتين في ولاية نورث كارولينا. وفي السنة ذاتها، قررت أربع من شركات المرافق الأميركية إغلاق ما مجموعه خمسة مفاعلات بشكل دائم، وهو أول إغلاق في الولايات المتحدة في 15 عاماً. وفي السياق ذاته، أعلنت أكبر شركة للتشغيل النووي على مستوى العالم، هي شركة المرافق الفرنسية إلكتريك دو فرانس، عن انسحابها الوشيك من مشاريع الطاقة النووية في الولايات المتحدة، بعد استثمار نحو ملياري دولار في مشاريع باهظة. على الصعيد العربي، كانت أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد قررت، في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2006، إطلاق برامج وطنية للطاقة النووية المدنية، على قاعدة مفادها أن النفط والغاز سينفدان يوماً ما. وسوف تتجه دول الخليج للإفادة من الصناعة النووية الدولية، والاعتماد عليها لشراء الوقود النووي، عوضاً عن الدخول في برامج محلية مكلفة لتصنيعه. وقد تمثلت إحدى الأفكار، التي تم تداولها، في السنوات الأخيرة، في الدعوة التي أُطلقت لإنشاء مراكز دولية لتخصيب اليورانيوم، وجعل الوقود النووي متاحاً لمشاريع الطاقة النووية في دول العالم غير النووية. وقد جرى طرح هذا التصوّر من قبل أطراف دولية وإقليمية عدة، وخضع للكثير من النقاش القانوني والتقني. وقد كانت مصر أول دولة عربية وأفريقية تضع حجر أساس لبرنامج نووي، وذلك في العام 1955. بيد أن هذا البرنامج أصابه الجمود بعد حزيران/ يونيو 1967. أما المفاعل النووي العراقي فدمرته إسرائيل في منتصف العام 1981 بعد اكتمال بنائه وقبل تشغيله. وكان قد جرى في العام 1980 اغتيال العالم المصري يحيى المشد، الذي صمم هذا المفاعل. وبين عامي 2006 و2008 أعلنت عدة دول عربية نيتها بناء مفاعلات نووية بهدف توليد الكهرباء. وفي 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، قالت الحكومة المصرية إنها ستطرح مناقصة دولية لبناء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء في البلاد، بمنطقة الضبعة قرب ساحل البحر الأبيض المتوسط. وستكون هذه المحطة من نوع مفاعل الماء الخفيف المضغوط، وستتراوح قدراتها الإنتاجية بين 950 ميغاواطا و1650 ميغاواطا. وفي الأردن، قال رئيس هيئة الطاقة الذرية، خالد طوقان، في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، إن بلاده ستعمل على بناء مفاعلات نووية صغيرة الحجم، بواقع وحدتين في كل موقع، بقدرة إنتاجية تناهز 180 ميغاواطا لكل وحدة. واختار الأردن، في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، شركة "روس أتوم" الروسية لبناء أول محطة نووية في البلاد، تعقبها مرحلة لاحقة لبناء مفاعلات نووية صغيرة الحجم. ويسعى الأردن، عبر إقامة أول محطة نووية، إلى توليد الكهرباء وتحلية المياه. وتبلغ كلفة المشروع المقرر 10 مليارات دولار، يشمل بناء مفاعلين بقدرة ألف ميغاواط لكل منهما، ويفترض أن يبدأ تشغيل الأول عام 2021، والثاني عام 2023. وسيقلص المشروع كلفة إنتاج الكهرباء الذي يكلف الخزينة ملياري دولار سنوياً، حيث تستورد البلاد 97% من احتياجاتها النفطية. خليجياً، أبرمت المملكة العربية السعودية، في كانون الأول/ ديسمبر 2011، اتفاقاً مع كوريا الجنوبية في مجال تطوير الطاقة النووية، يشمل التعاون في البحث والتطوير، بما في ذلك بناء محطات للطاقة النووية ومفاعلات أبحاث، إضافة إلى مجالات التدريب والأمان وإدارة المخلفات. ويعتبر هذا الاتفاق ثالث اتفاق نووي توقعه السعودية عقب اتفاقين مشابهين مع فرنسا والأرجنتين. من ناحيتها، بدأت دولة الإمارات، في أيا/ مايو 2013، في إنشاء ثاني محطة كهرباء تعمل بالطاقة النووية، يتوقع أن تبدأ مرحلة التشغيل التجاري في العام 2018. وكانت الإمارات أرست عقداً على كونسورتيوم كوري جنوبي، تقوده كوريا إلكتريك باور كورب، لبناء أربعة مفاعلات نووية لتلبية احتياجات الطلب المتزايد على الكهرباء. وقالت كوريا الجنوبية إنها بدأت في إنشاء المفاعل النووي الثاني في الإمارات قبل بضعة أشهر من الموعد المحدد، وذلك ضمن أربعة مفاعلات مزمع إنشاؤها. وتتولى كوريا الجنوبية بناء ما مجموعه أربعة مفاعلات نووية في الإمارات بموجب عقد تبلغ قيمته أربعين مليار دولار وقعته في العام 2009.