لا، إنها ليست مدينة البندقية الإيطالية، ولا مدن جنوب شرق آسيا الغارقة في فيضانات أمطار العواصف والأعاصير، بل هي مدينة غزة الغارقة في «شبر ماء»، كما يقول المثل الشعبي للدلالة على شخص قليل الحيلة لا يستطيع تدبر أموره حتى في أصغر الأشياء وأبسطها. «غزة تغرق بمياه الأمطار... غزة تغرق بمياه الصرف الصحي... غزة تغرق في الظلام... غزة تغرق في الانقسام... غزة تغرق في الحصار... غزة تغرق بالتنظيمات السياسية، وبمؤسسات المجتمع المدني، وبالمؤسسات الدولية، وبالجمعيات الخيرية، وبرجال الإصلاح، وبالأجنحة المسلحة. لكن غزة تبحث عن منقذ ولم تجده حتى اللحظة! لمن يستطيع الإنقاذ ويقف متفرجاً أُعلنها بصوت عال: التاريخ لا يرحم ولن يرحم أحداً، وسيحاسبكم على صمتكم المخزي». هذا ما علّق به أحد «الغزيين» على غرق المدينة أمس بعد ساعات من هطول الأمطار الغزيرة منذ ليل الأربعاء - الخميس بعدما احتبست أسابيع طويلة. وأضافت طالبة أنه لم يخطر ببالها، ولا حتى في خيالها يوماً، أنها ستتنقل من منزلها إلى المدرسة بقارب صغير يجوب شوارع المدينة. وعلّق أحد الشبان أنه اعتقد للوهلة الأولى أنه في البندقية، فيما اقترح آخر الاستعانة بمكاتب لتأجير القوارب، على غرار مكاتب سيارات الأجرة. ويُظهر غرق المنازل والسيارات في الشوارع واستخدام رجال الدفاع المدني القوارب في إنقاذ الأطفال وطلاب المدارس والمارة، مستوى عجز بلدية غزة وعدد آخر من بلديات مدن القطاع التي غرقت بمياه الأمطار، بعدما اختبر هطول المطر عدمَ صدق ادعاءاتها قبل أسابيع بأنها استعدت لفصل الشتاء. والمفارقة التي شغلت بال «الغزيين» خلال الساعات القليلة الماضية أن أحد اللاجئين القاطنين في مخيم الشاطئ الذي يعيش فيه رئيس حكومة «حماس» إسماعيل هنية، كتب على حسابه على «فايسبوك» أنه انسحب مع عدد من أهالي المخيم من لقاء يناقش مشكلة المياه مع رئيس بلدية غزة المحسوب على «حماس» رفيق مكي، مضيفاً أن الشخصيات الاعتبارية وممثلي الأحياء في مدينة غزة طالبوا بحل مشكلة المياه في مخيم الشاطئ، إلا أن مكي رفض وأجابهم: «بلِّطوا البحر»، أي افعلوا ما يحلوا لكم. في أعقاب ذلك، تساءل صحافي على حسابه على «فايسبوك» إن كان هنية لا يزال يسكن في المخيم، وإن كان يعلم بأزمة المياه في المخيم؟ مضيفاً: «لدينا رئيس بلدية يتمتع بأفكار (وأخلاق) إبداعية في التعاطي مع لاجئين لا تسترهم سوى جدران منازلهم المهترئة؟»، وطالب هنية بإقالة مكي من منصبه، فيما شهدت شبكات التواصل الاجتماعي حملة ضده بسبب هذه الأقوال. وشهدت الشبكات الاجتماعية تعليقات ساخرة في شأن الأوضاع المأسوية في القطاع الذي يعاني من أزمة في الكهرباء التي تُقطع 18 ساعة يومياً، وأزمة حادة جداً في توافر غاز الطهو، وأزمة المياه التي لا يصلح 90 في المئة منها للاستخدام الآدمي في القطاع الساحلي الذي يتلقى 80 في المئة من اللاجئين فيه مساعدات غذائية من منظمات دولية، فضلاً عن الحصار المحكم الذي يحرم المرضى من السفر لتلقي العلاج في الخارج، والطلاب من استكمال تعليمهم الجامعي.