«الحياة كلمة» هذا ما يحدث بالضبط من جراء تأثير الكلمة على برمجة العقل، فتُشكِّل صوراً ذهنية، تخلق العالم المحسوس. نعم، يتم ذلك من خلال نفوذ كلمة، تصرُّ على إقناع العقل بما تحمله من دلالة حتى يصدقها، ويؤمن بها، فيستجيب الجسد بحواسه، ويغيّر ويتغير بناء على تأثره بها. يا لسلطتها.. فقد تجعلك مهيباً ذا وجود «ألسنا نقول فلان كلمته مسموعة»، فمن أين اكتسب تلك الكينونة؟! وقد تجعلك حقيراً لا أهمية لك! وقد بلغ من عظمتها أنها تخلِّد ذكرى مَنْ نطق بها ـ وما حملنا كثيراً من قناعات العلماء، وشعارات الفلاسفة إلا لقوة تأثير كلماتهم علينا ـ بل وصل بها المآل إلى أن تتغير مصائر الآخرين بناء على اعتناقهم إياها. «أنا بخير» برمجة عقلية، توحي للجسد أن يرى الجوانب الإيجابية، ويغفل عن السلبية، ليصبح بخير فعلاً. «أنت رائع» توحي لعقل الآخر، فيستشعر الجمال فيما وهبه الله من صفات، فيظهر عليه ذلك الأثر. «أنت غبي»، «أنت فاشل»، قد تحطم بهما مصير إنسان، أو تصيبه بألم لا يُشفى منه بسهولة. الكلمة ليست حقيقة ملموسة، لكنها تصنع حقيقة غير موجودة، كأن يُقنعك مروِّج السلعة بكلامه عن جودتها، ليس لأنها جيدة بالفعل، بل لأنه برع في جعل عقلك يتصورها بتلك المواصفات. كما أنك تهدم قناعة الآخر إن امتلكت قوة الكلمة أكثر منه، كأن يعدد لك أحدهم، وكله ثقة، أضرار المشروبات الغازية على الصحة، وبكل بساطة تقول له: ليس صحيحاً فأنا أتناولها منذ عشرين سنة، ولم أصب بمرض قط! الكلمة «سر الخلق»، وقوة الحجة والإقناع، هي مهارة التفاوض، وفن الكسب والتقليل من حجم الخسائر، هي ديبلوماسية الاتصال والسلام، والدهاء في توجيه أصابع الاتهام، أو البراءة إلى الآخر. الأقدار تتشكَّل بها، والمعاملات الإنسانية، فالزواج اتفاق، وما ورقة العقد إلا توثيق، والطلاق تحلل من عهود مغلظة بها! وما التداوي بالرقية والقرآن إلا نفث الأمل والتفاؤل بكلمات الرحمن للإيعاز للعقل بأن يغيّر نظرته السوداوية للحياة. لا يوجد إنسان ضعيف، وإنسان قوي، لكن هناك مَنْ يمتلك قوة التأثير، ومَنْ يفتقر إلى تلك القوة، فإن كانت الصورة تؤثر على العقل، فالكلمة لها مفعول السحر على سامعيها سلباً، أو إيجاباً. الكلمة كائن لست مَنْ يكونها، بل هي التي تكونك «أنت».