×
محافظة المنطقة الشرقية

لا مكاسب استراتيجية للنظام رغم المساندة الروسية

صورة الخبر

يتعلم الطلاب والطالبات في جميع المراحل الدراسية، العلوم الدينية والشرعية ومنها الأحكام الفقهية، ويتعامل الطلبة مع هذه الأحكام على أنها أصول دينية أصيلة يدور حولها الشرح والتفسير؛ وليست اجتهادات بشرية خاضعة للنقاش والنقد والتحليل، وما على الطالب والطالبة إلا الانصياع والإذعان للاجتهادات الفقهية القديمة بحجة "هذا ما أجمع عليه العلماء"! ومن يختلف عن هذا الإجماع فهو ضال ومبتدع ومنحرف عن الدين إن لم يكن كافرا وزنديقا! حتى في الدراسات العليا الإسلامية والتاريخية، نجد هذا الإذعان للآراء البشرية، فقد اطلعت على رسالة دكتوراه تناقش مسألة تلبس الجن للإنسان، وبعد استعراض الباحث للأدلة العقلية والنقلية التي تميل إلى استحالة تلبس الإنسان بالأرواح الشريرة، يتوصل إلى تأكيد هذا التلبس استنادا إلى إجماع علماء الأمة على ذلك، وبالطبع فإن الباحث لم يوضح كيفية هذا الإجماع ومعاييره، وإنما أراد في ذلك عدم معارضة القناعات والأفكار المسبقة لدى أساتذته المشرفين على رسالته، وبالتالي الحصول على الدرجة العلمية المطلوبة. وعلى هذا الأساس، أصبح مفهوم الإجماع تجميدا للاجتهاد، والإبقاء على الموروث القديم والحكم على الحاضر والمستقبل بأحكام الماضي، فكان له دور مهم في تخلف المسلمين وتكريس الجمود وتحنيط العقول، بحجة أن فهم الفقهاء السابقين أقرب إلى واقع التشريع من المتأخرين، لقربهم من عصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم. أو لمجرد الضغط النفسي الذي يشل حركة الفقيه الفكرية أمام الكثرة من الفقهاء والعلماء، فيجد نفسه مضطرا إلى اتباعهم وتقليدهم والتشكيك فيما توصل إليه من نتائج قد تكون مخالفة لهم، وبالتالي أصبح الإجماع أقوى في مفعوله الاستدلالي من القرآن والسنة، وهذا ما نشاهده اليوم في كثير من الفتاوى الفقهية التي قامت النصوص الصحيحة على خلافها، وفي هذا الصدد يقول أحد الدعاة ما نصه: "ولولا الإجماع، لكثرت الأطماع، وتشعبت السبل، وخاض الناس في متاهات لا تلوح من خلالها للهداية بارقة، ولوصلوا إلى درجة العبث بأركان هذا الدين وأسسه وقواعده". فعلى سبيل المثال، يحتج فقهاء اليوم بالإجماع على أن المرأة لا يحق لها تولي المناصب السياسية ولا مقام القضاء والإفتاء، وهذا الإجماع يقوم على أساس الروايات الضعيفة والثقافة الذكورية التي كانت سائدة في العصور القديمة، إضافة إلى عدم وجود هذا الإجماع بين الفقهاء أساسا، فمسألة المناصب السياسية لم تكن مطروحة على بساط البحث في تلك العصور، وأما مسألة الإفتاء والقضاء فلم يصرح أحد من الفقهاء باشتراط الذكورية فيه إلا لاحقا. ومفهوم الإجماع بشكل عام مفهوم على درجة عالية من الغموض والالتباس، وليس منشأ الالتباس فقط بينه وبين مفهوم التواتر، بل يرتد إلى حقيقة الاختلاف بين الفقهاء أنفسهم، فبعضهم يفرق بين الإجماع في الرواية عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وبين الإجماع على العمل بالاجتهاد، ومع ذلك، سأتطرق إلى المفهوم السائد للإجماع عند الفقهاء في عصرنا الحاضر وإلى أنواعه وشروطه، ومن ثم التعليق والمناقشة لآراء الفقهاء حول هذا الموضوع. يُعرّف الفقهاء مفهوم الإجماع بأنه: "اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، على حكم شرعي"، وبناء على هذا التعريف يقول الفقهاء: "فخرج بقولنا "اتفاق": وجود خلاف، ولو من واحد؛ فلا ينعقد معه الإجماع، وخرج بقولنا "مجتهدي": العوام والمقلدون؛ فلا يعتبر وفاقهم ولا خلافهم. وخرج بقولنا: "هذه الأمة" إجماع غيرها؛ فلا يعتبر". ويستدل الفقهاء على حجة الإجماع في قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"، فقوله: "شهداء على الناس" يشمل الشهادة على أعمالهم، وعلى أحكام أعمالهم، والشهيد قوله مقبول، وقوله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء": دل على أن ما اتفقوا عليه حق. وعلى هذا الأساس، فإنه يخرج من مفهوم إجماع الأمة: اتفاق المقلدين والعوام، فإنه لا يعد إجماعا شرعيا في نظر الفقهاء، واتفاق بعض المجتهدين، فإنه لا يعد إجماعا أيضا، وكذلك اتفاق مجتهدي غير هذه الأمة! ومما سبق، يتضح أن الفئة المقصودة من مجتهدي الأمة هي فئة الفقهاء فقط مع إقصاء المتكلمين والأصوليين من الإجماع، لأنهم لا يعرفون أدلة الفقه والأحكام ومعانيها، وبالتالي هذا نوع من الانغماس في الأيديولوجيا لإزاحة العلماء الآخرين، وهذا التنافس مداره السيطرة على الواقع، كما أن مفهوم الإجماع يخضع للانتماءات المذهبية وبالتالي تكريس التعصب والطائفية، إذ يقول أحد الدعاة ما نصه: "... من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم؛ هذا قيد يخرج من كفرناه ببدعته فإنا نلحقه بالمجتهدين من غير المسلمين، ولا عبرة بوفاقه ولا بخلافه". هذا إضافة إلى أن الفقهاء يقصون عامة الناس من الإجماع والاجتهاد، وذلك من خلال تكريس التفاوت بين الخاصة والعامة، وهذا انعكاس للطابع الأيديولوجي لفكر بعض الفقهاء ومنظومتهم، الساعين إلى تثبيت الأوضاع وصيانة العادات والتقاليد الاجتماعية المتوارثة، كما أنهم يحرصون على استمرار الأفكار التي تدعوا إلى قدسية رجال الدين على الناس وسلطة الماضي على الحاضر والمستقبل. فأصبح الإجماع وسيلة لإسكات المخالفين، ومنع الاجتهاد والتجديد، إذ يقول الفقهاء للمجددين والمفكرين لأي طرح جديد في قضية دينية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية: "وليس بعد هذا الضلال من ضلال، إلا أن الإجماع لهم بالمرصاد"، فاكتفى هؤلاء بعلم الأولين وعلوم الماضي، واطمأنوا إلى أن النجاة تكمن في الاتباع والتقليد وما أجمعت عليه الأمة!