يأتي اليوم الأول من أسبوع العمل في وول ستريت مصحوبًا في العادة بإعلان عن صفقة أو صفقتي اندماج بين الشركات، ومن هنا جاءت عبارة «ميرجر منداي» أو «اثنين الاندماج»، لكن هذه الأيام ربما تكون عبارة «مانيك منداي» أو «اثنين الجنون» هي الأنسب لوصف الوضع الراهن. وشهد يوم الاثنين الماضي كشف النقاب عن صفقات بقيمة تتجاوز 170 مليار دولار. فقد وافقت ديل على الاستحواذ على شركة «إي إم سي» لتخزين البيانات، في صفقة تبلغ قيمتها نحو 67 مليار دولار، بينما قالت إنهيزر بوش إنبيف إنها رفعت عرضها مقابل شراء ساب ميلر إلى نحو 103 مليارات دولار. وإذا أضفت بعض المعاملات الصغرى، يصبح لديك واحد من أضخم الأيام على الإطلاق في مجال إبرام الصفقات في تاريخ وول ستريت. إن عمليات الاندماج والاستحواذ في سبيلها إلى بلوغ مستوى قياسي سنوي، حيث شهد عام 2015 حتى الآن صفقات بقيمة تقترب من 3.5 تريليون دولار، حسبما تفيد طومسون رويترز. ويقول أحد المصرفيين في وول ستريت إن يوم الاثنين الماضي يذكره الآن إلى حد ما «بسنة 1986 أو ربما 2007». ولو أن هذا الشعور صحيح، فإن تلك الصفقات لا تصبح نذير خير، وإنما تمثل على الأرجح النهاية - أو على الأقل بداية النهاية - لسوق صاعدة. ولا يعني ذلك أن السوق سوف تتعثر غدًا، أو حتى في الشهور القليلة المقبلة. ولو استرشدنا بالتاريخ، فإن أمامنا على الأرجح عامًا آخر من الصفقات، مع بقاء أسعار الفائدة عند معدلاتها المنخفضة، ومن الجائز أن يستمر ذلك لوقت أطول. وعندما تعلن بنوك وول ستريت أرباحها خلال الأسبوعين المقبلين، توقع الحديث عن قائمة طويلة غير معتادة من الصفقات التي يجري الإعداد إليها. لكن الكثير من أصحاب العقول المالية الفطنة يرون أن هذا المستوى من إبرام الصفقات غير قابل للاستدامة. وفي يونيو (حزيران)، أشرنا إلى أن الموجة الأخيرة من الصفقات المبرمة ما هي إلا مؤشر على ضعف الاقتصاد. لكن تلك الصفقات ربما تنذر بأمر أفدح: ضعف الأساسيات. والآن فكر في الأطراف الواردة في إعلانات يوم الاثنين: إنها شركات محاصرة وتحاول تبديل جلدها. وفي حالة ديل - إي إم سي، تحاول شركة ديل الابتعاد عن نشاطها الأساسي في الحاسبات الشخصية، بينما كانت إي إم سي تعاني في ظل تغير مناخ العمل في قطاع تخزين البيانات الحاسوبية. وبحسب زميلي بيتر إيفيس، تعكس نتائج ديل صافي خسارة يبلغ 768 مليون دولار، مقابل خسارة بقيمة 570 مليون دولار في نفس الفترة من العام السابق. كما تراجعت الإيرادات لتصل إلى 27.5 مليار دولار في الشهور الستة الأخيرة، مقابل 29.5 مليار دولار في نفس الفترة من العام السابق. وربما تحقق الصفقة نجاحًا كبيرًا - في الواقع، إنها على الأرجح ما كان ينبغي أن تقدم عليه الشركتان - لكن الصفقة تبرم بالكاد من موقع قوة. نفس الشيء ينطبق على صفقة بوش إنبيف - ساب ميلر. لقد انخفض نصيب الشركتين من السوق، كما تراجعت مبيعاتهما في البلدان المتقدمة، حيث تختلس مصانع الجعة الصغيرة نصيبًا معتبرًا من السوق. وهكذا فإن المبرر المنطقي للاندماج بين الكيانين واضح جدًا: خفض النفقات. ربما تعود هاتان الصفقتان بالنفع على حملة الأسهم، لكنهما تكشفان الكثير عن العوامل الموجهة للجولة الحالية من الاندماجات، وربما الأهم، عن القوى الاقتصادية الفاعلة الآن. إن الشركات الكبرى التي كانت تقلص نفقاتها سعيًا وراء العودة إلى الربحية على مدار السنوات الكثيرة الماضية استنفدت كل النفقات التي يمكن تخفيضها. فماذا تفعل إذن؟ فلتندمج إمعانًا في تقليص النفقات. وكتب سبيروس مالاندراكيس، وهو محلل في يورومونيتور، الشهر الماضي حول صفقة الاندماج المحتملة في صناعة الجعة «إن تكتل الشركات ربما يقدم القطرات الأخيرة في سكرة أسواق الأسهم». وإذا وضعت أداء مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أمام رسم بياني لأحجام الصفقات في السنوات الثلاثين الماضية، ستتبين أن إبرام صفقات الاندماج هو مؤشر متخلف، وليس تقدميا لأسواق الأسهم. وبصيغة أخرى، إن أي زيادة في أحجام الصفقات تعقب ارتفاع أسواق الأسهم، ولا تستبقها. كما تحدث في العادة طفرة في عقد الصفقات في العام ونصف العام الذي يسبق أي تصحيح كبير في الأسواق. وتبرم الصفقات الأكبر غالبًا في نهاية دورة السوق الصاعدة، مثل صفقة الاستحواذ المدعوم بالقروض على شركة تي إكس يو للطاقة عام 2007 والتي انتهت بطلب إشهار إفلاس العام الماضي. بالطبع تكون الصفقات أكثر منطقية في بداية الدورة، لكن المديرين التنفيذيين يشعرون عادة بقلق بالغ إزاء شركاتهم يمنعهم من خوض أي مخاطرة كبيرة. وبالتأكيد تخوض ديل مخاطرة كبيرة، حيث ستكبلها صفقة إي إم سي بدين يبلغ 50 مليار دولار. واستغلت ميغ وايتمان، رئيسة شركة هوليت - باكارد، الدين الثقيل الذي انطوت عليه الصفقة في توجيه سهام الانتقاد إلى الشركة المنافسة. وكتبت في مذكرة إلى موظفيها «لكي تسدد الفائدة على الدين البالغ 50 مليار دولار، والذي سيكون مسجلاً في ميزانية الشركة المتحدة، سوف يتعين على ديل أن تدفع ما يقرب من 2.5 مليار دولار سنويًا من الفوائد فقط». وأضافت: «هذا المبلغ سوف تقتطعه من ميزانية الأبحاث والتطوير وأنشطة أخرى حيوية لعمل الشركة، مما سيمنعها من تحسين خدمة عملائها». ربما يكون ذلك حقيقيًا، لكن موديز تخطط في الواقع لترقية دين ديل على أساس الصفقة، بدعوى أن الأرقام منطقية: «برغم الزيادة الكبيرة في الدين والرافعة المالية الأولية، فإن الوضع الائتماني الإجمالي لشركة ديل سوف يتحسن مع الاستحواذ على إي إم سي، لأنها صفقة اندماج ستخلق أكبر شركة خاصة للتقنية في العالم من حيث الإيرادات». بالطبع إن صفقة ديل - إي إم سي والاندماج المحتمل في صناعة الجعة أكثر منطقية مقارنة بالصفقات الخيالية المدفوعة بأهداف وهمية، مثل اندماج شركتي إيه أو إل - تايم ورنر سيئ السمعة عام 1999، والذي يعتبر على نطاق واسع أسوأ صفقة على الإطلاق. بالتأكيد لم نرَ شيئا بهذا السخف - حتى الآن.