واجه الضحكات والنكات الساخرة بإرادة حديدية، استمر في حلمه الذي كرّس حياته من أجله ليفتح بابًا أمام المبدعين من المكفوفين، لم يلتفت للمثبطين ولا غيرهم، لم تقدم له وزارة الشؤون الاجتماعية أي دعم إلا أنه كافح واشتغل بالتجارة وجمع المال اللازم لتحقيق حلمه. يبلغ من العمر 31 سنة، فقد بصره منذ نعومة أظفاره، وتمتع بموهبة لا يجيدها أغلب المبصرين، الرسم وخاصة الرسم البارز، سافر إلى أمريكا للتعلُّم؛ حتى يفيد المكفوفين في مجال الفن التشكيلي، لكنه لم يجد عونًا. الشاب الفنان عمر بن علي السحيباني الذي واجه سخرية الأهل وعجز المسؤولين بإرادة وعزم لا يلين، أجرت معه المواطن حوارًا مطولًا جاء نصه كالتالي: ما هو مجال دراستك الحالي؟ أدرس حاليًّا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، في كليه العلوم الاجتماعية قسم التربية الخاصة مسار إعاقة فكرية في المستوى الثالث. تجيد الرسم البارز فمتى اكتشفت موهبتك؟ اكتشفت موهبتي من خلال عشقي للفن البارز، وبدأت فعليًّا في ممارستها منذ ثلاث سنوات تقريبًا، وكنت أفكِّر في صنع شيء يفيد ويهم المكفوفين ويفتح لهم مجالًا في الفن التشكيلي. هل واجهت صعوبات أو تحديات حاولت تحطيمك في بداية هذا العمل؟ صرت أبحث كل يوم عمن يساعدني ويدلني كيف أبدأ في هذا المجال، لكن أحدًا لم يجبني، على العكس وجدت الكثير ممن حولي يحبطني ويحطم معنوياتي ويتهكم عليّ ويسخر مني، لكني لم أسمع لهم. وتابع: قررت الذهاب لأمريكا عسى أن أجد هناك من يهتم بذلك؛ نظرًا لمعرفتي بأنهم يدعمون مثل هذه التجارب، لكن محاولتي باءت بالفشل، ولم أجد من يساعدني، فعدت إلى الرياض واستمر بحثي وسؤالي بلا فائدة. إذن بعد كل هذا كيف استطعت البدء وتنمية مهاراتك؟ بعد فشلي في إيجاد من يعينني ويساعدني، قررت أن أبدأ مشروعي بنفسي إلى أن وصلت لما أنا عليه اليوم من إبداع وتقدم في المشروع وتجهيز العديد من المنتجات التي بدأت تنال إعجاب الكثيرين، دون دعم من أحد إلا القليل ممن ساعدوني بمبلغ يسير لا يتجاوز ٨٠٠٠ ريال فقط، لكني عملت بمجال التجارة وكافحت حتى استطعت توفير مبلغ كافٍ لشراء الأدوات والأوراق والماكينة اللازمة. أما الدعم المعنوي فلقد تلقيت بعضه من أشخاص كُثُر، وكذلك تشجيعهم بعدما رأوا إنجازاتي؛ فالله يجزيهم كل خير. رائع جدًّا.. لكن كيف تتعرف على الألوان وتخلطها سويًّا وتخرج رسوماتك وإبداعاتك؟ هذا الأمر يساعدني فيه البعض، لكن أغلب ما أحتاجه في الرسم بالألوان يساعدني فيه برنامج قارئ الألوان الموجود في متجر أبل والعديد من التطبيقات الأخرى، وأطبعه أو أعده عبر الماكينات والأجهزة اللازمة التي اشتريتها. إذن فأنت على تواصل مستمر مع من حولك عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ التكنولوجيا لم تترك بابًا إلا وطرقته، وأنا أستطيع التعامل مع الأجهزة الذكية عن طريق قارئ الشاشة الموجود في الأجهزة الذكية، والحمد لله على تواصل شبه تام بكل ما يدور على تلك المواقع. وبعد كل هذا.. هل توجت عملك بالمشاركة في أي من معارض الرسم؟ في الحقيقة، لم أستطع المشاركة حتى الآن في أيٍّ من معارض الرسم، أنا لم أخض اختبارًا حقيقيًّا، لكني أستمر في البحث عن المعارض المناسبة، وأسأل عنها دومًا. هل حققت لك موهبتك أي فائدة مادية؟ أبلغ اهتماماتي كان أن أنمي جانبي المعنوي وأغذيه بما أحب، لكن هذا لا يمنع أنني استفدت قليلًا جدًّا من هذه الموهبة، وإن شاء الله سوف أستمر فيها، ولن أتراجع عنها حتى ولو كان الأمر دون عائد. وسط كل هذا الإصرار والتحدي والمساندات التقنية والمادية من البعض ألم تساعدك وزارة الشؤون الاجتماعية أو التعليم؟ بالنسبة لوزارة الشؤون الاجتماعية لم أستفد منها شيئًا، ورأيت منها تقصيرًا كبيرًا، وكذا وزارة التعليم، وكل ما أردناه فقط أن يغيروا وجهة نظرهم تجاهنا نحن أصحاب الاحتياجات الخاصة، وأن يدركوا أن لدينا مواهب نريدها أن ترى النور. في الختام وجِّهْ رسالة لذوي الاحتياجات الخاصة أو من تحب. أحب في البداية أن تكون رسالتي لزملائي من ذوي الاحتياجات الخاصة أن أقول لهم: لا تيأسوا ممن حولكم من مهبطين ومحبطين، وخاصة الأهل والأقارب، ولا تتأثروا بسخريتهم. كما أحب أن أشكر صحيفة المواطن على اهتمامها بذوي الاحتياجات الخاصة والموهوبين منهم، ودعمها في توصيل صوتهم ورسالتهم لكل مسؤول يقدر مثل تلك المواهب.