بسلالم ميسم، وامطار علي، وحوارات مريم، سافرنا بعيدا لنعيش إيقاعات فن لم نعهده كثيرا هنا. إنه عرض يأخذك لفنٍ لا يقتصر على لوحة زيتية او وجه منحوت، بل هو فن يخلط ويعجن كل الفنون، ثم يركبها جميعا، ليظهر الفن التركيبي او الانستليشن ارت. بدأ بيكاسو الفن التركيبي في بداية القرن العشرين ليصلنا متأخرا وشحيحا في عالمنا العربي. الجمهور العربي يصعب عليه تقبل الفنون الجديدة وهذه أحد المشاكل التي تواجه الفن الحديث. وكذلك، عدم وجود مردود مادي عند عرض هذه اللوحات التركيبية غالباً ما يجعل المعارض ترفض فكرة عرضها، مما يخلق مشكلة أخرى. الجدير بالذكر، ان هذه الاعمال تحتاج الى أماكن واسعة للعرض مما يصعب الامر. لكن جميع هذه الحواجز التي وقفت بين الفكرة المخزونة والعرض للجمهور كُسرت، وتم زرع البذرة الاولى من قبل مجموعة من الفنانين الذين أثبتوا جدارتهم في تعريف الجمهور بأنفسهم، ونقلوا ثقافتنا بطريقة معبرة وفنية رائعة. ولحسن حظهم، تم عرض أعمالهم تزامنا مع مهرجان الموسيقى الذي ربما اوحى لهم باسم المعرض (إيقاع مجرد)، والذي بدوره يأخذنا لإيقاعات تختلف عن الذي تعودناه. لما سألتهم لماذا مدرسة الفن التركيبي في هذا المعرض، تشابهت اجابات الفنانين، ورأوا أن اكثر ما يجذبهم الى هذا الفن هو ابهار الجمهور واعطائه فرصة اكبر للتخيل والتصور الفني عما يراه في العمل المتمثل أمامه. ويبدو لي ان المعرض بالفعل اثار الحضور الذي اندمج في شرح ما فهمه من الاعمال مع الفنانين انفسهم، رغم اختلافات وجهات النظر. وهذا ما جعل الاعمال تمنح لا نهائية في الافكار المتخيلة. فلكل متلقٍ رأي واضافة، وكأنها تزيد من خيال الفنان. ترى الفنانة ميسم الناصر انها، كونها معمارية، فالصورة الثلاثية الأبعاد هي الأقرب لها لتقطع المساحة بالادوات. ركز المعرض إيقاع مجرد على ثلاثة من الفنانين، ليترجموا كلمة الايقاع بحرية الى العمل البصري. الفنان علي حسين كان فخوراً بكسر الحواجز، وبتنفيذ أفكار خطط لها ورسمها في دفاتر خزنها لأجل غير مسمى. بعد الموافقة على الاعمال، ازال الفنان علي الغبار عن دفاتره، وبدأ بتنفيذ فكرتين. الاولى سماها (السماء تمطر اصواتاً) والتي تمثل الأصوات الرتيبة في حياة الانسان، وأثرها عليه. تم تصوير ردود افعال مجموعة من الفنانين البحرينيين أثناء سماعهم صوت قطرات الماء لفترات مختلفة. في الفكرة الثانية (الفوضى المجردة)، عرض الفنان دراجة طفل تجر حجارة كبيرة، مصاحباً لذلك فيديو لطفل يلعب بدراجته التي تجر علباً معدنية فارغة. وكأن الفنان يستعرض طفولته البسيطة والبعيدة عن التكنولوجيا الحديثة، لما كان صوت العلب المجرورة خلف الدراجة يحدث ضجيجاً في الحي يفرحه. الفنانة مريم النعيمي تدخلك في ايقاعاتها المتعددة بعرض فلمين متزامنين لشخصين يتحدثان في نفس الوقت. يكتشف المتلقي انه من الصعب تجاهل احد الفلمين ليفهم الآخر. وكأن العمل يريد ان يثبت ان كثرة الإيقاعات والافكار التي تحدث في حياتنا تفقدنا القدرة على الفهم والاستيعاب. اما الفنانة ميسم الناصر فقد مثلت الايقاع في حياة الانسان في سلالم توصله الى أهداف مختلفة. عرضت الفنانة صندوقاً كبيراً تخترقه مجموعة من السلالم، ذات احجام متنوعة، من جهات وزوايا مختلفة. قد يرمز السلم الى زمن يوم واحد او حياة كاملة. بعض السلالم مكسورة في ايحاء الى عثرات الانسان ومشاريعه التي لم تنجح. شكر الفنانون هيئة الثقافة، وعلى رأسها الشيخة مي آل خليفة، على إعطائهم الثقة والفرصة ليأكدوا للجمهور ان الفنان البحريني قادر على العطاء والابداع. وشكروا دور الاستاذة شوق العلوي لتسهيل مهمتهم وتوفير الدعم، كما شكروا الفنانين المساهمين في الاعمال الاستاذ عبدالله السعداوي، والفنان عمر السعيدي، والفنانة سبيكة الشملان الذين شاركوا في عمل (السماء تمطر أصواتاً)، وشكروا الفنان حسين القميش الذي ابدع في تصوير افلام الاعمال المعروضة. تمنى الفنانون إعطاء الموهوبين فرصة لاحياء مثل هذا المعرض سنويا، واضافوا انهم يستحقون الدعم لاقامة معارض سنوية، وتكريم المبدعين منهم.