الاستهتار بالأوطان أول سلالم الخيانة والاتجار بالشعوب، وهذا الاستهتار له أشكال متعددة، منها رفض شكل النظام الحكومي القائم، ومنها العمل على استنقاص هذا الوطن، وتحقير الشعب الذي يعيش فيه، ومنها المناداة بأفكار وقيم غريبة من أجل تطبيقها قسرًا وتعنّتًا، ومنها التطبيل للغزاة، ومناصرة كل غريب على بني جلدته ومواطنيه، وأعلى درجات هذا الاستهتار هو خيانة الوطن وبيعه صراحة. ذلك أن كل من خان وطنه، وسلّم الغزاة مقاليد الأمور في بلاده بعد ذلك يحمل هذه الصفة، فهذه الخصلة بدأت من الاستهتار وعدم المبالاة بهذا الوطن، ورفض لأشكال التربية فيه، إلى أن تطور الأمر ووصل بصاحبه الحال إلى ما وصل إليه، وعلى وفق هذا الأساس سيكون هذا الشخص سيفًا مسلّطًا على رقاب مواطنيه عندما يتسلل إلى المراكز الأولى، لأنه وُضِع في غير مكانه الصحيح، وأمثال هؤلاء لا تكون لديهم رؤية وطنية صادقة، وذلك لعدة اعتبارات: لعل من أبرزها، أنهم جزء من مشروع طارئ، يختفون باختفاء الحدث، لذا فهم يشكلون الغطاء الوطني لوجود ولشرعنة وجود الغزاة في بلادهم، وهم أشبه ما يكونون بالذباب أكرمكم الله سيتلاشون عندما يتم تنظيف المكان، هم يتخبطون في كل قراراتهم، ويتحركون من ضمن عقدة الشعور بالنقص، إذ يحاولون الانتقام من الوطن الذي حكم عليهم بالطرد خارج أسواره، أو رفض مواطنوه أفكارهم المشبوهة، وعليه لهذا فهم يلجأون للبطش بلا رحمة، لأنهم كانوا ينتقدون بكل صفاقة، ويجاهرون بالمنكر من الأفكار والمشين من الأفعال بلا مروءة، وإن أتيحت لهم الفُرص فسيسرقون بلا حياء، وهذا عائد إلى أنهم ينظرون بعين الريبة للمواطنين المنطويين تحت ظل الدولة الوطنية التي هربوا منها أو نفوا عنها قبل دخولهم بمعيّة الأجنبي لبلدانهم، لهذا فهم لا يحرصون على البناء بقدر ما يسعون لتصفية حسابات سياسية سابقة يعتقدون في تجويف باطنهم وفي مخزون عقلهم وفي قرارة ضميرهم أن هذا هو وقت الوفاء بها، وعلى هذا الأساس، ومن خلال تلك المعطيات فإن هؤلاء لا همّ لهم إلا العمل على إقناع الآخرين من غرباء وأجانب بأحقية وجودهم في هذا المكان، لأنهم يدركون بوعي أو دون وعي أن أمثال هذه المراكز، لا تأتي بين عشية وضحاها، وذلك لأنها هي في الأساس مكافآت وطنية استحقاقية، تُمنح لمن قاموا بخدمة شعوبهم والعمل على البناء والتنمية في بلدانهم، لا أولئك الذين جاءوا على ظهور عربات أجنبية لاحتلال بلادهم، والتلاعب ببني جلدتهم لأغراض مشبوهة. الكره من صفات الضعيف وسمات الجبان، لأن الكره يحرض صاحبه على الشك والغدر والظلم التعسفي شديد المرارة، وأمثال هذه السلوكيات تنبع من مخزون عميق من الخوف الكامن في نفوس هؤلاء الناس تجاه خصومهم، ووفق هذا الكلام فهناك نقطة مهمة في هذا الجانب، وهي أن كل من يكرهون خصومهم كرهًا لا يطاق بهذه الشكل، يُعتبر هذا الفعل هو اعتراف غير معلن من قبل هؤلاء بحقيقة وجود المخلصين الصادقين، وبقدرتهم على إمكانية العودة إلى ما كانوا عليه في أي فرصة سانحة، وأن أمثال هؤلاء المستهترين ما هم إلا أحداث طارئة في ظروف غير مناسبة.