ربما كنت من القلائل الذين لم يفاجئهم تقرير ديوان المراقبة العامة الأخير، برغم الكشف عن صرف 42 مليار ريال دون وجه حق خلال عام واحد، وبغض النظر عن تناقض التقرير بين الحديث المطول عن مهام وإنجازات ديوان المراقبة وبين شكواه المريرة لتناقص قواه البشرية والتقنية، ولومه المستحق لجهات حكومية عدة في عدم التحول للرقابة الآلية (المدينة، الأحد الماضي) إلا أنه حقيقة يجب أن يشكر على الكشف عن مصروفات دون سند نظامي، ونجاحه في تحصيل بعضها، 3 مليارات من الـ42 مليارا، وعليكم استخراج النسبة، مما يثبت أن ما يتم كشفه هو قمة الجبل الظاهرة على سطح البحر وما خفي أعظم. بجانب تقديم واجب الشكر، أظن أنه، في ظل هذا المعدل من الفساد حسب تقارير الديوان وهيئة مكافحة الفساد، آن وقت دعم مؤسساتنا الرقابية، أقله الديوان ونزاهة، بتلبية احتياجاتهما الوظيفية والتقنية، وتطوير أدائهما ليتمكنا من القيام بالدور المنوط بأمثالهما في دول العالم المختلفة، ومن ثم محاسبتهما، أيضا كما يحدث مع أمثالهما خارجيا، على أي فساد يظهر بعد تلبية متطلباتهما. ما تقوله تقارير ديوان المراقبة كل عام، وتكرره تقارير نزاهة الدورية، يؤكد أنهما يعملان بأقل من طاقتهما المقدرة، وبالتالي فإن منجزاتهما ستكون أقل من المتوقعة، وكل هذا، كما أقول دائما، يعطي رسالة خاطئة للمفسدين، تدني احتمالات الكشف عن تلاعبهم، وإن كشفوا فإن العقوبات الحالية لن تردعهم بدليل تكرار المخالفات وتناميها، حادثة السطو الأخيرة على أراض حكومية خلال إجازة عيد الأضحى، برغم تكرار الكشف عن لصوص أراض سابقا، تعطينا مجرد مؤشر. أي مؤسسة رقابية لن تقوم بمهامها دون آليات تمكنها من الوصول لما تريد من سندات ومعرفة ما تم من إجراءات والتحقق من سلامتها قانونيا وملاءمتها محاسبيا، وآخرا وليس أخيرا، بل ربما أهما، التحقيق مع المقصر والفاسد، أقله تحويله لجهات التحقيق والادعاء بكل شفافية وعلانية. وإن عجبنا، فعجب أن يعتمد ديوان المراقبة استراتيجيته الثالثة للخمس سنوات القادمة برغم كل نواقصه التي يعترف بها، والأعجب أن تستمر هيئة مكافحة الفساد خمس سنوات في العمل بدون لائحة تنفيذية، أما العجب الأكبر فشكوى الهيئة من عدم تعاون المحاكم معها في أحكام الفساد، فضلا عن جهات رسمية أخرى (الوطن، 15 سبتمبر الماضي). بغير هذه الآليات ستظل المؤسسات الرقابية نمرا من ورق في نظر الفسدة، وبدون تطوير أدائها مواكبة بما يحدث لمثيلاتها خارجيا، سنستمر نحرث البحر، ونكشف عن الغيض ونترك الفيض.