باريس: «الشرق الأوسط» ليس العرب وحدهم من يحبون مشاهدة الأفلام المصرية القديمة، بالأسود والأبيض، التي تعيدهم إلى زمن فاتن حمامة وعماد حمدي وماري منيب وأجواء «الوردة البيضاء» و«باب الحديد» و«مراتي مدير عام»، بل اكتشف أصحاب صالات العرض في فرنسا أن مواطنيهم يهوون، أيضا، الأفلام القديمة ويفضلون مشاهدة فيلم جيد «بايت» على فيلم جديد وسقيم. وتنتهز الصالات الباريسية فرصة الصيف لتعرض مجموعة من الأفلام التي انطبعت في ذاكرة الجمهور، مثل «يوم عيد» و«مغارة علي بابا» و«الساموراي السبعة» و«في وضح الشمس» و«خليج الملائكة». وفي تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، قال سيرغ برومبرغ، أحد الذين يعملون بدأب على استعادة الكنوز السينمائية القديمة، إن عودة كل تلك الأفلام إلى الشاشات ليست محض صدفة. إن هناك شوقا متزايدا لها، وقد ساعدت موجة القيظ الحالية التي تجتاح فرنسا في لجوء آلاف المشاهدين إلى صالات السينما المبردة جيدا، هربا من الحر في شقق غير مجهزة بمكيفات الهواء. في العام الماضي، كانت نسبة الأفلام التي مضى عليها أكثر من سنتين تشكل قرابة 4 في المائة من التذاكر المباعة. ورغم ضآلة النسبة فإنها تعني 8 ملايين مشاهد من مجموع 203 ملايين يرتادون صالات العرض. ومن مجموع عشاق أفلام زمان، كان هناك 6 ملايين يذهبون لرؤية فيلم مضى عليه أكثر من عشر سنوات. وهذه النسبة هي ضعف ما كانت عليه في عام 2008، مثلا. ففي حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت الأفلام القديمة تشكل سوقا موازية في صالات محددة لا يقصدها سوى طلاب السينما وبعض النقاد والمصابين بالحنين للزمن السابق. وكان هناك موزعون قلائل يعملون بإمكانيات محدودة لتلبية هذا الطلب. لكن مع حلول التسعينات، ظهر ما يشبه الوعي الجديد بأهمية تلك الأفلام وضرورة صيانتها والمحافظة على الأشرطة التي تسلل إليها التلف. وكانت التقنيات الإلكترونية الحديثة قد فتحت الباب لعمليات ترميم الأفلام التي كانت الفئران تقرضها في العلب. معجزة الإلكترونيات لم تكن نوعية فحسب، بل وكمية. فالفيلم الروائي المصور على شريط من قياس 35 ملم كان يزن 35 كيلوغراما تقريبا. أما الملف الرقمي الذي يحتوي الفيلم، فلا يتجاوز وزنه الخمسين غراما ويمكن تحميله على أسطوانة مدمجة خفيفة. مع هذا، فإن تكلفة ترميم الفيلم القديم تحتاج إلى 70 ألف يورو في المعدل، وهناك من الأفلام القديمة ما تصل تكلفة إنقاذه إلى 150 ألف يورو، الأمر الذي يجعل المتخصصين يبحثون عن مساعدة وزارة الثقافة والمراكز السينمائية والأرشيفية للمساهمة في ورشة استعادة ذاكرة الفن السابع. إن الأمر يحتاج قرارا سياسيا، حسب برومبرغ. وهذا يعني أن يفرض على كل صالة أن تعرض عددا من الأفلام القديمة، كل عام، لتغطية نفقات الترميم. سمح هذا الأمر بنزول 230 فيلما قديما في الموسم الصيفي الحالي وحده. وتشارك في عملية التمويل شركات كبرى مثل «غومون» و«تكنيكولور» ومؤسسة «غروباما غان» التي أسهمت في ترميم نحو من 30 فيلما خلال السنوات الماضية، مثل «رحلة إلى القمر» للمخرج جورج ميليي و«هيروشيما حبيبتي» لألان رينيه. وهذا الفيلم الأخير يعرض في الصالات منذ الأسبوع الماضي. وقد جاءت طلبات من دول أخرى لشراء هذه النسخ الجديدة. ورغم اجتياح مطاعم الوجبات السريعة والمتاجر الكبرى والتهامها للكثير من صالات السينما الصغيرة والتاريخية في باريس، ما زالت هناك صالات تقاوم وتحافظ على شهرتها كحاضنات «للفن والتجربة». ومنها صالة «لو كليف» التي تستضيف عروضا للسينما العربية يشرف عليها نقاد عرب متحمسون.