×
محافظة المنطقة الشرقية

مصادرة 47 طن خضار وفواكه فاسدة بالأحساء

صورة الخبر

مسار طويل ومتعرج سلكه المفكر أحمد برقاوي من فلسطين البدايات إلى دمشق التي درّس في جامعتها بعد دراسة الفلسفة في لينينغراد (سانت بطرسبورغ) ليستقر به المقام، أخيراً، في دبي، حيث حل ضيفاً على برنامج «روافد» الذي يقدمه أحمد الزين على شاشة العربية. أهدى أحد الروائيين عملاً له إلى برقاوي، قبل سنوات، إذ قال: «ذكرى خيبات كثيرة مضت، وأخرى على الطريق تأتي». ويبدو أن هذه الخيبات مازالت تلاحق المفكر الفلسطيني السوري الذي «عاش نكبتين»، كما عبّر الزين، في إشارة إلى نكبة فلسطين التي منحته صفة «اللاجئ الأبدي»، ونكبة سورية التي أجبرته على هجرة الأصدقاء وأروقة جامعة دمشق التي قضى سنوات طويلة فيها، بعدما ضاق الأفق حيال مواقفه وشغبه المتواصل. هذا الماضي الجريح يهيمن على وجدان برقاوي الذي يعيش، من زاوية أخرى، «مسكوناً بالأمل والمستقبل»، في مفارقة مريرة لا يجد إزاءها سوى الاعتراف أنّ «واقعة اللاجئ خطيرة، فأنت في الموقت»، وهو يتحايل على هذا الألم بنعمة الفلسفة والشعر والكتابة التي تحوّل هذا الوجود المؤقت إلى إبداع، ساعياً إلى التحرّر عبر اللغة والفكر من هذه التراجيديا التي تحيط بكل مشهد وتفصيل في الواقع. ولكن، على رغم الصورة القاتمة، فإنّ برقاوي يعيش رومنطيقية ثورية حالمة، ما دفع المقربين منه إلى وصفه بـ «الطوباوي». فهو مؤمن أن ثورات الربيع العربي، التي دافع عنها في سلسة مقالات وتغنّى بالهتافات التي صدحت في الميادين، ستنتصر في النهاية على رغم المخاضات والمآلات الملتبسة، وهو يستند في هذا التفاؤل إلى حتمية التاريخ التي لن تهادن طويلاً مع الهوة الشاسعة بين «كوخ الشعب الثائر وقصر النظام المستبد». هذه الأفكار والطروحات المعقدة حول المنفى وبنية النظام السياسي ودور المثقف وحركة التاريخ وإشكالية الهوية حاول برقاوي أن يقدمها بأكثر المفردات والعبارات يسراً، ولكن مع ذلك كشف البرنامج عن أن التلفزة تضيق كثيراً بالأفكار الفلسفية الكبرى، وكأن الفضائيات لا تصلح إلا لبرامج الخفة والتسلية والحوارات الصاخبة. لم يجد برقاوي، المعروف ببلاغة لغته العربية، مساحة كافية يعبّر من خلالها عما يجول في خاطره من أفكار تحتاج شرحاً مسهباً، فآثر الاختزال ليرسم صورة الواقع، على عجل، وفق ما تقتضيه طبيعة برنامج تلفزيوني لا يدوم أكثر من نصف ساعة. ومن الطبيعي في برنامج كهذا، ألا ينشغل القائمون عليه، بالبهرجة البصرية، إذ جرى الحوار كما يبدو في منزل برقاوي حيث ركزت العدسة على عناصر محددة: المحبرة والقلم والكتاب. ولعل هذه هي المفردات الأثيرة التي تستحوذ على يوميات برقاوي الذي يحاول الانتصار على المنفى بالكتابة، في تجسيد عفوي لعبارة ألبرتو مانغويل «إن الكلمات على ورقة تجعل الكون متناسقاً»، وهو ما يفعله برقاوي الذي يطمح الى ضبط موسيقى الحياة على إيقاع قلمه المتدفق فكراً وشعراً.