وافق مجلس الوزراء في اجتماعه هذا الأسبوع على تنظيم هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة، وهي هيئة عامة ترتبط تنظيميا برئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتتولى العمل على توليد الوظائف ومكافحة البطالة في المملكة خلال التنسيق بين جميع الجهات الحكومية والقطاع الخاص ذات العلاقة بسوق العمل، وتعزيز المشاركة بينها والعمل على تنمية القطاعات المولدة للوظائف، واستثمار الميزة التنافسية في مناطق المملكة لهذا الغرض. ورد في تقرير الاقتصاد السعودي 2014 لوزارة التخطيط والاقتصاد الذي صدر قبل رمضان، بأن معدلات البطالة في الاقتصاد السعودي قضية شائكة وتؤرق الرأي العام. أصبحت قضية البطالة والوظائف على طاولة المجالس العليا، واجتمع الملك سلمان -حفظه الله- مع رجال الأعمال والقطاعات التجارية قبل رمضان في جدة، وأمر بتشكيل فريق مكون من رئيس الغرف التجارية وأربعة وزراء "وزير المالية ووزير العمل ووزير التجارة والصناعة ورئيس هيئة الاستثمار العامة"؛ ليعملوا على ملف البطالة وإيجاد الحلول بعد اقتراح فكرة استغلال عقود الصيانة والتشغيل للقطاعات الحكومية من قِبل رجال الأعمال لتوظيف السعوديين، والتي كانت -مع الأسف- مجرد توغل أعمق في برامج نطاقات ورفع نسب السعودة في تلك الأعمال، والتي خلقت تشوهات عدة في سوق العمل، ورفعت من الأسعار، وكان الاقتراح أن نعيد تجربة مماثلة في عقود الصيانة والتشغيل، وهذا سيرفع من عدد السعودة الوهمية وارتفاع أسعار عقود الصيانة والتشغيل على الحكومة. ما زالت الحلول تكمن في إيجاد وظائف للمواطنين والمواطنات، وليس تطوير الاقتصاد المحلي من خلال الكوادر الوطنية؛ ولذلك لم تكن الحلول مجدية. البطالة لن تحل بإحلال العمالة الأجنبية بعمالة سعودية. لن تحل البطالة إلا بخلق الفرص الوظيفية المناسبة، وهذا لن يتم إلا بتطوير القطاع الصناعي للصناعات المتقدمة والقطاع الخدمي للخدمات المتقدمة. لم تكن الحلول للبطالة في السنوات الماضية ملائمة ولا مجدية، بل إن التعامل معها كان بطريقة التخلص من أرقام البطالة "كيفما اتفق"، كان الأجدر أن يتم التعامل مع البطالة على أنها كادر بشري يمكن إعادة تأهيله وتجهيزه لسوق العمل وتطوير سوق العمل، كي نستطيع منافسة الدول المتقدمة خلال هذه الكوادر الوطنية. لماذا أصبحت البطالة والوظائف المناسبة قضية شائكة؟ أولا: يلزم إيجاد عوامل البناء الأساسية للاقتصاد والتنمية، من أهمها: التخطيط للمدى المتوسط والبعيد، تعيين الكفاءات والاعتماد عليهم في المراكز القيادية، تطوير مراكز البحوث والتطوير والدراسات، بناء دور للفكر وبيوت للخبرات، القضاء على الفساد. ثانيا: يجب بناء هوية للاقتصاد السعودي "غير النفطية"، والتي من خلالها نتعرف على الأعمال المناسبة، هذه الهوية تبنى على حقائق عدة، منها: أن الأجور في المملكة ليست رخيصة ففكرة بناء مصانع للتجميع غير مجدية، ولا مصانع تحويلية لمنتجات البتروكيماويات. لا توجد لدينا صناعات ولا خدمات متقدمة فنحن نستورد جميع ما نستخدم ونستهلك، وهذا مشجع للاستثمار في الصناعات. مراكز البحوث والتطوير والدراسات في الجامعات شبه خاملة ويتطلب تفعيلها، وغيرها كثير من الحقائق. ثالثا: يجب أن نستوعب أن القطاع الخاص "كما هو الآن" غير قادر على البناء والتحمل، وطبعا لا يمكن للدولة أن تستثمر في الأعمال مباشرة كبناء المصانع وخدمات الطيران والتكنولوجيا. لذلك، يلزم تأسيس صناديق استثمارية ومساهمة، وتكون الحصص الكبرى فيها للدولة، لتتحكم في مجالس الإدارة، كي لا يطغى استهداف الربحية القصوى على حساب تطوير الاقتصاد والوظائف وطبعا جميعها مطلوبة ولكن بتوازن لتحقيق جميع الأهداف المرجوة. وأن يكون هذا على غرار "صندوق الاستثمارات العامة" في تأسيس شركة سابك، ولكن للصناعات الأخرى المتقدمة، والصندوق الثاني لتطوير الصناعات والخدمات التكنولوجية، والثالث لتطوير السياحة، والنقل، والطيران والفضاء، والبقية. أخيرا، نحن في حاجة إلى فريق عمل جديد وابتكاري، فالإضافة الفكرية عامل أساس في نجاح البناء. نحن في حاجة إلى فريق يواجه التحديات ويذلل الصعوبات ويتخطى العقبات. أما الحلول السابقة والمقترحات فيجب ألا تكون ضمن "رادار" الهيئة.