النسخة: انتقلت العوامية في ظرف وجيز من كونها مساحة ضيقة لإثارة الشغب إلى أن باتت مساحة حاضنة لإرهابيين حقيقيين مدفوعين من معلومين كثر إلى خانة المجهول، الفوضى الحالية التي يقوم عليها من قيل عنهم في السابق من الوقت «مثيرو شغب» لا يمكن أن تُدرج - الآن - في مربع الشغب إطلاقاً، بل هي قفز - في ظل الطيبة الأمنية الزائدة على الحد - لمستنقع فعلٍ إرهابي مدروس ومخطط له بعناية، وهناك من يعمّق في أذهان الإرهابيين الجدد أن أفعالهم ستؤتي ثمارها وتقدمهم في صورة خيالية، بل تمثل الحل الوحيد لجملة مطالب ترمى هنا وهناك من دون أن توحد في طريق مثالي صحيح لا يمهد لبركة من الدماء أو يقدم ضحايا إضافيين مع أدنى تحرك أمني أو مواجهة جبرية في شارع ملغم. لا يمكن أن أسحب مشهد العوامية كارتداد مذهبي أو صناعة متقنة منه، بل كانت الفئة المتطرفة في العوامية نشازاً من الإطار المذهبي المتقاطع معنا وحدة ومواطنة، والفئة العابثة بالأمن في مسرح العوامية المتجدد اعتقدوا أن العنف هو الطريق الذي يقدمهم كما يريدون، أو بالأصح كما يرسم لهم القابعون في الخلف، لتكون الفئة وحدها بمثابة الحطب في حلبة لم ولن تكن متكافئة. الأقلية المشاغبة سابقاً والإرهابية حالياً تمسح وتتمسح بالوطنية، فهي لا تحمل تجاهها سوى احتقان متضاعف ورغبة مشتعلة في تقديم قائمة محدثة من الضحايا والأبرياء واستهداف ما يضع الأمن في صورة مهتزة بحسب المخطط المرسوم، كثيرون ذهبوا للموت في مسرح العوامية لسبب قاهر، أختصره في أنهم كانوا بمكان ما على المسرح الذي يقتنص أي عابر ولا يهمه كيف ومن يقتنص في بداية عرضه الإجرامي، وهم الذين اعتادوا على العيش بأمن وأمان. في العوامية وغيرها تذوقنا مرارة التخريب والشغب والحراك الإرهابي المريض الميئوس منه فكرياً، الطاعن أمنياً، وظللنا نتجاذب أسطراً مائلة وقناعات مرتبكة، لكننا نتفق أن من يزعزع الأمن يستحق الاستئصال المناسب لوضعه، في ظل أن الاستئصال علاج فريد مطمئن لأية بذرة خبيثة، وكل شيء يمكن التفاوض والتحاور في شأنه إلا أمن الوطن، فهو خط أحمر نختلف من قبله، لكننا نتفق عليه بلا قيد ولا شرط. لن ولا يقبل العقلاء أن تتحول العوامية لقنابل موقوتة ومرتع للمتواطئين مع كل شذوذ فكري، لكن صوتهم لم يطور أدواته كي يؤثر في المكان أو يهدئ التهور الذي يمكن أن يقابل ويواجه بأي شيء إلا الصمت، لا قيمة كبرى لصوتهم حالياً إلا من خلال هذه البقعة، والمخربون والمشاغبون والمعتوهون فكرياً والإرهابيون لم يستثنهم السجن، ويجب ألا يستثنيهم في أية بقعة وطنية أخرى، وحتى المحاولات الخارجة عن القانون والمستثناة عن قواعد السلام والتعايش والمحبة والمواطنة من أجل الدفاع عن كل من هو شاذ ومنحرف تستلزم القدر ذاته من التعامل والقوة والتصفية والمواجهة، ولا يغضب أحد حين يُقَّدَم إرهابيو العوامية في الذهنية الاجتماعية بوصفهم شبيحة في خريطة أخرى أو خائنين ماثلين أمام الأعين، الجراح الوطنية يا سادتي لا تبرأ بالتسطيح والمجاملات، وما يحدث في العوامية جرح وطني سيبرأ كما بُرئت غيره من الجروح. alialqassmi@