اختار الشاب اليمني إسماعيل علي طريقا غير طريق والده في صناعة الأواني النحاسية لعقد من الزمان, واكتفى بأن يكون بائعا لمنتجات مستوردة من هذه الصناعات على أن يتعلم حرفة المشغولات اليدوية بعد اقترابها من الاندثار وعزوف الناس عن اقتنائها إلا القليل منهم. قبل سنوات كان سوق النحاس في صنعاء القديمة يعج بعشرات الحرفيين الذين كانوا يصنعون ويبيعون أجود الأواني النحاسية التي تستخدم في الطعام والزينة ويأتي لاقتنائها سياح أجانب, لكنه اليوم أصبح سوقا للصرافة بعد إغلاق عدد من المحال وما بقي منها يبيع صناعات مستوردة من دول كالصين والهند وباكستان وتركيا. وعلى عكس العادة التي يتوارث فيها الأبناء مهنة الآباء في هذه الحرفة, لم يلتزم إسماعيل بهذه القاعدة حتى لا يخسر وقتا من عمره في تعلم مهنة لم تعد تتناسب مع العصر الذي يعيش فيه, دون أن يمنعه ذلك من مساعدة والده في طلب الرزق وإن كان بائعا فقط. يقول إسماعيل إن صناعة الأواني النحاسية محليا تكاد تنقرض نهائيا في ظل توقف عدد كبير من الحرفيين عن العمل, وذلك لارتفاع تكاليف إنتاج هذه المشغولات وغياب زبائنها الحقيقيين, وهم السياح الأجانب الذين انقطعوا عن زيارة اليمن نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة. إسماعيل اختار أن يكون بائعا على أن يكون حرفيا (الجزيرة نت) صناعة عريقة وتعد صناعة الأواني النحاسية من الصناعات العريقة في اليمن, وكانت تحظى بمكانة مرموقة لدى اليمنيين الذين كانوا يحرصون على اقتناء التحف والمشغولات النحاسية المصنعة محليا, والتي تستخدم للأغراض المنزلية وبعضها يتم اقتنائها كجزء من التراث. ولم يتبقِ من هذه الصناعة المحلية إلا أشياء محدودة, مثل المزاهر المزخرفة بالنقوش الإسلامية التي تستخدم لحفظ باقات الزهور, والنباتات العطرية والمواقد المستخدمة في إشعال الفحم الخاص بالطبخ, بالإضافة إلى أدوات الزينة والتجميل كالمكاحل, وكذلك الأباريق المطعمة بالعقيق اليماني والمزينة بالكتابات الشعرية والحكم والأمثال. وتزخر إبداعات الحرفي اليمني بجودة الصناعة في المنتج مثل الفوانيس التي توضع عليها الشموع ومرشات العطور المزخرفة, والطاسات المكتبية التي تكتب بداخلها آيات قرآنية, والتي تستخدم في الرقية الشرعية وملاعق الطعام والقدور وأباريق القهوة والمباخر والمحابر الحافظة للحبر الجاف. غياب الدعم وينتقد حرفيون غياب الدعم الحكومي لهذه الحرفة التي تمثل إحدى الصناعات الصغيرة التي يمكن أن تساهم في التخفيف من البطالة, وتوفر فرص عمل علاوة على أنها تشكل إرثا حضاريا وثقافيا كانت فيما مضى تلبي احتياجات السوق. أحمد عريج امتهن الحرفة لمدة عشر سنوات, لكنه قرر اعتزالها بعد أن أصبحت غير مجدية نتيجة ارتفاع تكاليف التصنيع, وتحول من صانع إلى مستورد يبيع ما يجلبه من الخارج بسعر رخيص مقارنة بالمنتج المحلي من أجل أن يحافظ على مصدر رزقه لعدم وجود بديل آخر له. وفي قوله للجزيرة نت, يلقي أحمد باللائمة على الحكومة لأنها لم تقدم أي مساعدات للحرفيين للصمود أو تشجعهم بعرض منتوجاتهم في معارض خارجية, واختزال تمثيل اليمن في الخارج على أسماء محددة. عبدالحكيم: عدة أسباب أدت لاندثار صناعة الأواني النحاسية (الجزيرة نت) بضاعة مستوردة ويشير عبد الحكيم الأنسي -وهو صاحب محل لبيع الأواني النحاسية- إلى أن أغلب بضاعته مستوردة من الخارج بسبب الإقبال عليها لرخص ثمنها وتعدد أشكالها، بينما المنتجات المحلية محدودة ولا يشتريها إلا الميسورون ماديا. وقال إن أكثر من 25 محلا كانت تبيع الأواني النحاسية اختفت وتحول أكثرها لمحال صرافة حتى سمي سوق النحاس باسم الصرافين منذ بدأ عهد أفول الصناعات النحاسية المحلية مطلع التسعينيات وازداد مع مرور الوقت. وأرجع اندثار الصناعة المحلية إلى عدة أسباب منها الاعتماد على المعدات القديمة في التصنيع, وعدم تطويرها وتأهيل العاملين فيها وغياب السياح الأجانب إثر تضرر قطاع السياحة، وغزو الصناعات الأجنبية بأسعار أقل, وعدم وجود دعم وتشجيع حكومي للحرفيين للحفاظ على هذه المهنة.