درسنا في العلوم أنه كلما ارتفعت درجة الحرارة زادت حركة الجزيئات، وفي البرودة العالية تقل الحركة تدريجيا ثم تتوقف، وفي الأرض نجد أن قمة البرودة هي في القطبين الشمالي والجنوبي، وقمة الحرارة في وسط الأرض حيث خط الاستواء، ودرجة حرارة الشمس تقدر بستة آلاف درجة مئوية، وهناك أي في الشمس الحركة كبيرة جدا بل تتعدى حركة الجزيئات الكبيرة إلى حركة الذرات، التي تتصادم بسبب السرعة الكبيرة ويسبب ذلك انفجارات هائلة. لقد كانت أمة القرآن خير أمة لأنها التزمت بالمنهج المتوسط، فهي ليست في القطب الجنوبي ولا الشمالي ولكنها تقع على خط الاستواء، وفي وسط الكرة الأرضية، وهنا درجة الحرارة أعلاها على الأرض، وهذا يذكرنا بحرارة القلب وتوقد العقل التي تجعل أفئدة المؤمنين بالغة الشوق إلى الخالق سبحانه، باذلة الغالي والنفيس في تحقيق مرضاته، وهي في تفكير ليل نهار في بلوغ جنته، التي باعهم إياها بأنفسهم وأموالهم، فهم من شدة حرارتهم في تحصيلها وشوقهم إليها يتوسطون الأمم. وبما أنها خير الأمم وأوسطها، فقد جعلها الله وأراد لها أن تكون أسرع أهل الأرض في تطورها وتقدمها وتحقيق الخلق الرفيع الراقي فيها، إذ إن جزيئات المواد تكون في أسرع حركة في وسط الأرض حيث الحرارة العالية، وهذا لا يكون في الطرفين حيث الحرارة منخفضة والجزيئات ساكنة، لكن أمة الإسلام تتحرك باعتدال مع سرعتها بما يناسب أهل هذه الأرض، فهي ليست في سرعة قصوى كالشمس، لأن هذه السرعة الكبيرة جدا سوف تتسبب في صدام وكوارث، وليست بطيئة متجمدة، بل هي في الوسط، لكنها مسرعة. أمة الإسلام الحق ليست بطيئة في أدائها واتخاذ قراراتها، ليست بطيئة قطبية في تطوير منشآتها وفي تعليمها وبحثها ومواكبة التطور التقني، بل هي سريعة تسعى بجد للسبق في نواحي الخير، وهي بهذا تتبع أمر ربها الذي وصفها بالمسارعة، إنهم كانوا يسارعون في الخيرات، سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين. كما أنها ليست ملتهبة بالصراعات والشحناء ونيران الكراهية التي لا تنبت زرعا ولا تصلح كلأ، بل هي سمحة سهلة رحيمة فيما بينها، يعطف كبيرها على صغيرها، ويحترم صغيرها كبيرها، ويرعى أبناؤها شيوخها، ويسند رجالها نساءها، وتنتشر البسمة في أرجائها، فهي شمس تضيء وتدفئ وتبعث الأمل، لكنها لا تحرق ولا تنفجر. توقد القلب في شوقه لربه، وحبه لوطنه وأهله، وسعيه في الأرض بالخير، هكذا سوف يتناغم من أسرار الكون ومفردات الطبيعة، التي جعل الله قوانينها منسجمة مع تركيب الإنسان والفطرة السوية التي خلقه عليها، فاسعد بدينك وسر على طريقه، واشحذ همتك بما ينفع أمتك، تعش حميدا رشيدا.