في روايتها "أقاليم الخوف" تواصل الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق كفاحها من أجل أطروحتها النسائية التي تنتصر للمرأة، وتدافع عن قضاياها عبر الإبداع الروائي، معتبرة أن السرد هو الأسلوب الأنجح لعرض قضايا الأمة، ومنها قضية المرأة العربية، التي قدر لها أن تعيش تاريخا "سيزيفيا" من الظلم والقهر. فبعد روايتي "اكتشاف الشهوة" و"تاء الخجل"، وهمامن الأعمال التي تفضح واقع المرأة في المجتمعات العربية وتعري العنف الجسدي والمعنوي الذي تتعرض له من طرف الرجل (الذكر) المؤازر بالتقاليد والعادات القديمة، ها هي تنظر من جديد، ومن خلال كوة أخرى، إلى قضية المرأة في بعدها الكوني من خلال منجزها الروائي "أقاليم الخوف". وتفتح الرواية الآفاق للشخصيات، كي تتحدث عن مشاكلها وظروفها النفسية دون إحساس بالتحرج ما دامت تتخفى وراء راو مقنع، وتتستر خلف ستائر اللعبة الأدبية التخيلية، التي تأبى أن تكون محاكاة للواقع مهما كان مشابها لما يجري في اليومي والمعاش. و"أقاليم الخوف" هنا مقولة تحيل على عوالم النص الروائي التي تعيش عبره الشخوص حالة من اللاطمأنينة والعذاب، وأهوالا شتى تطمر إنسانيتها، وتجهز على ملامح كرامتها الطبيعية في الحياة. إن نظرة السرد في هذه الرواية تنصرف إلى ولوج العتمات الأشد حلكة في نفسيةالإنسان،والتي تنزلق من رقابة الوعي في لحظة اعتراف وبوح يتيحها أسلوب الحكي الذاتي الذي تنهجه الكاتبة، وهو الأسلوب الأمثل للوصول إلى دواخل الشخوص، وتحريرها من رقابة الوعي والذات والآخر. " على الرغم من غلبة الجو المرعب على الرواية، فإن هذا لا يغيّب تفنن السرد في إبراز الجرأة على الكشف والبوح وتمزيق الحجب التي يكرسها الوعي الزائف " جرأة وبوح فالمحكي في الروايةبقدر ما يعلي من وتيرة الشكوى لدى المرأة، ويكشف وضعها المأساوي الذي يظل عرضة للانتهاك والامتهان والاستغلال، ويعري وضعها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يغلب عليه التطرف والتشدد والغلو والتعصب للرأي والنظرة الأحادية، فهو أيضا يروم تحليل القيم السيكولوجية والتكوينية، التي تجعل من المرأة في الآن نفسه كائنا هشا وذكيا، معرضا دوما بفعل حساسيته المفرطة وانسياقه وراء رغبات الآخرين وضعفه أمام الرغبة والعنف. وعلى الرغم من غلبة الجو المرعب على الرواية، فإن هذا لا يغيّب تفنن السرد في إبراز الجرأة على الكشف والبوح وتمزيق الحجب التي يكرسها الوعي الزائف. وتتبدل في هذه الرواية صورةالشرق، التي كرستها حكايات ألف ليلة وليلة، وقصص الأولين الملأى بالسحر والجمال والمتعة، فتصبح صورة قاتمة يشوبها العنف والعنف المضاد، والفعل ورد الفعل دون تقدير للأحاسيس والقيم التي رسخها الشرق في الأذهان عبر التاريخ، حيث ظل ولا يزال مقصدا للرحالة والزوار من كل الثقافات والهويات. ويتأسس المحكي على رحلة مجنونة لامرأة غربية تدعى مارغريت نصر إلى الشرق مدعومة بمنظمة سرية تدعى "النسور السوداء" وبأهواء اكتشاف مشرق ألف ليلة وليلة المهووس بالجنس والأساطير، بعد أن أرقها اعتداء تعرضت له في "شرم الشيخ"، لتجد نفسها وسط متاهة مؤلمة إثر انكشاف أمرها. لكن المغامرة التي قادتها إلى حياة جديدة حررتها من السياسة والأيديولوجيا، لتزج بها في أحضان حياة جديدة رفقة رجل شرقي وجدت معه ذاتها، فطلقت السياسة والعمل السري بدعم من حبيبها محمد لتولد من جديد في روعة الشرق، كما تعرفت عليه في حكايات "ألف ليلة وليلة"، بعد أن دبر لها هذا الأخير خديعة إعلامية لخبر وفاتها ببغداد حتى لا تطاردها المنظمة. لقد ضاعفت الكاتبة في الرواية من التحسيس بألم المرأة ووجعها، فلم تعد عرضة للانتهاك الجسدي فحسب، بل أيضا تم السطو -في هذه الرواية- على كرامتها بتسخير مؤهلاتها لخدمة أيديولوجيات مختلفة بشكل قسري. وهكذايظل الموضوعنفسُه مسيطرا، على الرغم من تبدل الصيغ. لكن يبقى الأهم هو هذه الرؤية التّطويرية التي نقلت الاهتمام من الذات إلى القضايا المرتبطة بالأمة عموما.