رغم مشاعر الأسى والحزن التي تداهمنا كلما رحل شهيد في ساحة المعركة، فإن مشاعر الفخر والاعتزاز بشهدائنا هي الأقوى. كنا في مصر نحتفي بذكرى حرب أكتوبر المنتصرة، حين جاءت أخبار رحيل عدد من الأشقاء أبناء الإمارات شهداء وهم يخوضون معركة الدفاع عن شعب اليمن وأمن الخليج العربي كله. يمتزج الأسى مع الفخر والاعتزاز، تماماً كما حدث في أكتوبر المجيدة التي لم تكن الإمارات بعيدة عنها، ولم يكن زايد الخير إلا شريكاً في التضحية وشريكاً في الانتصار. لم يذهب أبناء الإمارات إلى اليمن من باب العدوان، ولا من أجل توسيع النفوذ، كما تفعل بعض القوى المعادية لكل ما هو عربي. ذهب أبناء الإمارات لليمن دعماً لإرادة شعبه ولشرعية الحكم فيه، وذهبوا لأنهم يدركون حجم الخطر لو تمكن الملالي من السيطرة على هذا القطر العربي الشقيق، ولأنهم كانوا يدركون جيداً أن من يسعون لرفع أعلامهم غير العربية في صنعاء، لن يكتفوا بذلك! وأن مخططاتهم تستهدف حصار دول الخليج العربي لكي تفتقد عروبتها، ولكي تستلب ثرواتها، ولكي تتحول إلى مجرد مناطق نفوذ تتصارع عليها القوى الإقليمية غير العربية، والقوى العالمية التي لا يهمها إلا مصالحها حتى لو كان الثمن تدمير دول أو تقسيم أوطان. كما شهدنا من العراق إلى سوريا إلى ليبيا إلى السودان وليبيا. وكما كنا سنشاهد في مصر لولا 30 يونيو، وفي غيرها لولا أن إنقاذ مصر قطع الطريق على استكمال التآمر عليها. وهنا ينبغي التوقف عند المعنى الشامل لتحرك دولة الإمارات ودورها الذي أصبح أساسياً في الدفاع عن الأمن القومي العربي، والذي هو امتداد للموقف المبدئي الذي اتخذته الدولة ومؤسسها الشيخ زايد منذ اللحظة الأولى، وهو أن الانتماء العربي فرض، وأن ما يتطلبه من واجبات لا بد أن تؤدى، وأن الأساس في أمن الإمارات هو أن تقدمها ونهضتها هو إضافة للقوة العربية، وأن أمنها واستقرارها مرتبط بالأمن العربي الشامل. لم يكن موقف الإمارات دعماً لمصر وثورة شعبها في 30 يونيو مجرد موقف عاطفي بل كان إدراكاً لحجم المؤامرة التي جاءت بعصابة الإخوان لتحكم مصر تمهيداً للاستيلاء على الحكم في بقية العالم العربي، بعد أن أثبتوا الولاء للراعي الأجنبي، وتوافقوا على أن يكونوا مجرد عملاء يبيعون أوطاناً لا يعترفون بها، ويتنازلون عن أرض عربية لكي ترتفع عليها رايات تتاجر بالدين وتبيع الوهم وترضى بخيانة الأوطان، وتعتبر العروبة رجساً من عمل الشيطان. ولم يكن موقف الإمارات مما يحدث في اليمن إلا دفاعاً عن حق الشعب اليمني في تقرير مصيره، بعيداً عن مؤامرات إيرانية تصورت أن اتفاقها مع أميركا على الملف النووي هو تصريح لها بمد نفوذها، والاستمرار في تآمرها على أمن الخليج العربي ومحاولة حصاره بإخضاع اليمن لنفوذ أتباعها، ولشق الصف وتأجيج الفتنة المذهبية التي كان العرب بعيدين عنها لعصور طويلة قبل أن تعتمد طهران مبدأ تصدير الفتنة استغلالاً لكارثة فقدان العرب للعراق، ثم تنفيذ مخطط الفوضى المدمرة الذي وضع العراق تحت وصاية طهران، ووضع سوريا في مهب الريح، وترك ليبيا واليمن في أتون الحروب الأهلية، وتصور أن سقوط مصر في يد الإخوان سوف يفتح الباب لسقوط سهل لدول الخليج العربي! لكل مواطن في الإمارات أن يفخر بالدور الذي قامت به حكومته في التصدي للمؤامرة على الوطن العربي. الوقوف بجانب شعب مصر وجيشها للخلاص من حكم الإخوان الفاشي. لم يكن قراراً سهلاً.. كان انتصاراً للحق وللعروبة، لكنه أيضاً قرار يقول لكل من راهنوا على سقوط مصر أن رهانهم خاسر. وكان إنذاراً لكل قوى التطرف ألا مكان لها. وكان رسالة لأميركا وحلفائها الذين راهنوا على الإخوان واستهدفوا إخضاع الدولة المركزية العربية لحلفائهم من تجار الدين الخائنين للوطن. إن اللعبة مكشوفة، وإن الخليج العربي لن ينتظر أن يسقطوا مصر.. ليسقطوه! ولكل مواطن في الإمارات أن يعتز بدور حكومته في الأزمة اليمنية، وأن يدرك أن شهداءه لم يسقطوا في معركة عبثية، بل سقطوا وهم يدافعون عن الوطن الذي كان مهدداً - مع غيره من الدول العربية الخليجية - لو سقط اليمن في قبضة طهران التي أعلنت فخرها بارتفاع أعلامها في أربع عواصم عربية، والتي كانت تنتظر حسم المعركة في اليمن، لكي تستهدف باقي دول الخليج الذي ما زال عربياً بفضل تضحيات الشهداء، وبفضل رؤية عرفت منذ البداية أن الخطر لا يستهدف صنعاء فحسب، بل يستهدف كل عواصم الخليج التي لا زالت بفضل تضحيات أبنائها وستظل رغم كل المؤامرات عربية! لم يذهب أبناء الإمارات إلى اليمن للعدوان بل للدفاع عن الشرعية، فهو عدوان أجنبي يريد أن يحاصر دول الخليج وأن يمد نفوذه إلى باب المندب. ولم يذهب أبناء الإمارات إلى اليمن ليشعلوا نيران الفتنة، كما فعل غيرهم، بل ذهبوا لإطفاء النيران ولوأد حرب أهلية يسعى إليها من لم يتوقفوا عن التدخل في شؤون العرب وإثارة الاضطرابات والفتن المذهبية. تحية لأرواح الشهداء، ولوطن يستحق كل التضحيات.