×
محافظة المنطقة الشرقية

«صحة حفر الباطن» تغرم قطاعات خاصّة 200 ألف ريال

صورة الخبر

في أكتوبر 2014م، نشر أستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس الدكتور مراد وهبة مقالة مثيرة للجدل في مجلة الفكر المعاصر المصرية، العدد الثاني، حملت عنوان: (التجديد الديني في الفكر الإسلامي)، رأى فيها جازما وقاطعا أن بموت الشيخ محمد عبده ينتهي التجديد الديني في الفكر الإسلامي، ومتسائلا عن العلاقة بين موت محمد عبده وموت التجديد الديني؟ متخذا من هذا التساؤل أساسا ووجهة في النظر لهذه المقولة، وفي إثباتها وتأكيدها. استند الدكتور وهبة في هذا الرأي، إلى نص ورد في خطاب أرسله كوكوريل سنة 1906م إلى الأديب الروسي تولستوي، جاء فيه أن (الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، والذي كان قد أرسل إليك خطابا منذ عامين، قد توفي وهو في طريقه إلى أوروبا في العام الماضي _ أي عام 1905م _ وليس من أحد بقادر على أن يحل محله في تمثل رؤيته المتسامحة، وفي مواصلة جهده الذي يمكن إيجازه في أنه يؤدي لدينه ما أديته أنت لدينك، أي تنقيته من سوء الفهم، ومن سخف الاعتقاد). ومحصلة الرأي الذي انتهى إليه الدكتور وهبة يتحدد بقوله: (إذا كان التجديد الديني يستلزم العقل الناقد، وإذا كان العقل الناقد يخرج المسلم من سجن الإجماع، وإذا كان التكفير ملازما للخروج على الإجماع، فالتجديد الديني ممتنع)، وهذا في نظره هو الحال المتحكم في واقع الفكر الإسلامي بعد غياب الشيخ محمد عبده إلى اليوم. وقبل فحص هذا الرأي ومناقشته، كان بإمكان الدكتور وهبة تدعيم موقفه بأقوال تتصل وسياق الرأي الذي توصل إليه، من هذه الأقوال ما ورد عن شيخ الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي قوله: (أعتقد أننا إذا جاوزنا عصر السلف الصالح، لا نجد رجلا رزق فهما في هداية القرآن، ووسع صدره أدق معانيه الاجتماعية والعمرانية مثل الإمام محمد عبده، ولقد وهبه الله شروط الإمامة الدينية جميعها كما منحه البصر في أمور الدنيا). ومن ناحية المطابقة والقياس، فإن هذا الرأي يذكرنا بالانطباع الذي ساد في وقت سابق حول ابن رشد، والاعتقاد أن بغيابه في القرن السادس الهجري – الثاني عشر الميلادي، انتهت الفلسفة وماتت، وتوقف معها التفكير العقلاني في ساحة الفكر الإسلامي. هذا الرأي الذي ساد لفترة في ساحة المستشرقين الأوروبيين، وأخذ به بعض العرب اتباعا وتقليدا، تحول في وقت لاحق إلى مصدر شك، ولم يصمد أمام النقد التاريخي والفلسفي، وأخذ في التراجع والانكماش، ولم يعد التلازم والاقتران ثابتا بين موت ابن رشد، وتوقف الفلسفة وموتها في ساحة المسلمين. والدكتور وهبة ليس بعيدا بالتأكيد عن أجواء النقاش حول هذه القضية، فهو أحد المهتمين والمتحمسين لابن رشد، ومن الداعين إلى إحياء فكره وفلسفته، وكان رئيسا ومؤسسا للجمعية الدولية لابن رشد والتنوير، التي انبثقت عن مؤتمر ابن رشد والتنوير الذي نظمته في القاهرة الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية سنة 1994م. وكان المفترض من هذا الانطباع الذي تغير حول ابن رشد، أن ينبه الدكتور وهبة إلى تجنب هذا النمط من الأحكام العامة والمعلقة وغير الثابتة، والتي يغلب عليها حالة الاختزال والتعميم، ويصعب البرهنة والاتفاق عليها، والتثبت منها، ولا تصلح إلا أن تكون مجرد رأي لإثارة الجدل والنقاش. فمن جهة لا يمكن ربط تعليق الزمن بالأشخاص، مهما كانت موهبة ومنزلة وتأثير هؤلاء الأشخاص، لأن الزمن أكبر من عالم الأشخاص، وليس هناك شخص أكبر من الزمن، ولا يمكن اختزال الزمن بالأشخاص، فسعة الزمن بأحداثه السيالة، وقضاياه اللا متناهية، وتطوراته التي لا حد لها، تجعل من الزمن عصيا على الاختزال في نطاق الاشخاص، لهذا لا يصح القول أن بموت الشيخ محمد عبده ينتهي التجديد الديني في الفكر الإسلامي، وكأن الزمن أصبح معلقا بالشيخ عبده وموته. ومن جهة أخرى، هناك نقاش في الطابع الكلي لهذه المقولة، فهل فعلا أن بموت الشيخ عبده انتهى التجديد الديني كليا، ولم يعد هناك تجديد أو لم يحصل أي تجديد ولو نسبيا أو محدودا أو بدرجة أقل، ولم يعد يصدق وصف التجديد على أي شيء آخر مهما كانت صفته ودرجته ونسبيته، وكأن هذه المقولة جاءت وسلبت وصف التجديد عن أي عمل أو نشاط أو جهد آخر، فهذا الطابع الكلي لا يحبذ عادة، ولا يحظى بالتأييد، ولا يصدق عليه وصف العلمي. ومن جهته الثالثة، هناك نقاش في جانب المحتوى والمضمون والمعنى، فبعد غياب الشيخ عبده ظهرت محاولات اتسمت بدرجة عالية في ناحية التجديد الديني، من هذه المحاولات محاولة الدكتور محمد إقبال الذي أصدر كتابا رائدا وشهيرا في التجديد الديني بعنوان: (تجديد التفكير الديني في الإسلام) الصادر بالإنجليزية سنة 1930م، وفي ترجمته العربية سنة 1957م، هذا الكتاب الذي درسته وفحصته وحللته يعد أحد أهم الأعمال في مجال التجديد الديني، بل إنه يتفوق من هذه الناحية على جميع مؤلفات الشيخ عبده المتصلة بهذا المنحى. وما ننتهي إليه أن بغياب الشيخ محمد عبده حصل تراجع كبير على صعيد التجديد الديني، وانقسمت وتفتتت أكبر وأعظم مدرسة إصلاحية ظهرت في المجتمع المصري الحديث والمعاصر، وترك فراغا لم يسده أحد، مع ذلك فإن التجديد الديني لم ينته كليا بغيابه.