×
محافظة المنطقة الشرقية

عام / اللجنة الصحية والاجتماعية بنجران تعقد جلستها الثالثة

صورة الخبر

بفعل قرار حكومة الاحتلال الفاشية إطلاق العنان لعصابات مستوطنيها المجرمة، لتمعن، جنباً إلى جنب مع جيشها الباغي، في تصعيد أعمال القتل والجرح والحرق والاعتقال والتدمير والترويع وإغلاق الطرقات، تصاعدت هبّة الأقصى والقدس، وامتد لهيبها إلى الضفة ومناطق 48، حتى بتنا أمام انفجار شعبي متصاعد، يذكي لهيبه توالي تساقط الشهداء والجرحى، ولا يعوزه سوى توافر ركائز سياسية وتنظيمية واقتصادية واجتماعية وطنية موحدة، حتى يتحول إلى انتفاضة شعبية شاملة وممتدة، اختمرت أسباب اندلاعها منذ سنوات، اتصالاً بسياسات الاحتلال الهجومية. إننا أمام تطور ميداني كبير أحدث تخبّطاً داخل حكومة الاحتلال وأجهزتها الأمنية، لكنه، في الوقت ذاته، أدخل الحالة الوطنية، الرسمية والفصائلية، المنقسمة، في ارتباك سياسي، يظهر عدم جاهزيتها وقلة استعدادها، وبالتالي، عجزها عن توفير الشروط اللازمة لمواجهة فاشية حكومة المستوطنين، وكسر عنجهية رئيسها، نتنياهو. ولا عجب. فالعجز هنا حصيلة منطقية لاستمرار تجريب خيار أوسلو العبثي، ولعدم طيّ صفحة الانقسام المدمر، ولسنوات من الإدمان على بعثرة وتبديد جهود حالة شعبية تجاهد منذ سنوات، مدفوعة باستباحات الاحتلال الشاملة، لشق طريق مرحلة جديدة، يتقدم لقيادتها في الميدان جيل شبابي جديد، هو، وإن لم يعش تجربة الانتفاضة الشعبية الكبرى 1987، لكنه يستلهم دروسها، وأولها أنه لم يكد يمر على اندلاعها عشرة أيام حتى صدر البيان الأول عن قيادة وطنية موحدة، حدد شعارها الأساس: لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة، وطرح موقفها السياسي الناظم: الحرية والاستقلال، وقدم برنامج فعاليات وتوجيهات لكل المنتفضين في الميدان بفئاتهم العمرية والاجتماعية المختلفة. بل ويستلهم درس تشكيل إطار القوى الوطنية والإسلامية لقيادة انتفاضة الأقصى 2000، الذي، وإن لم يطرح برامج محددة وتوجيهات ملموسة للجماهير المنتفضة، لكنه شكّل إطاراً تنسيقياً حال دون بعثرة جهود وقطع سياق تلك الانتفاضة. أما الآن، فعلى الرغم من مرور نحو شهرين على هبّة المقدسيين المتواصلة، ونحو أسبوعين من انتقال لهيبها إلى الضفة ومناطق 48، لم تبادر الفصائل الفلسطينية إلى تشكيل إطار وطني موحد لقيادة الجماهير المنتفضة، كإطار من شأنه أن يضع بصمته الجديدة في الفعل الكفاحي، وأن يردم ثغرة تعدد إصدار البيانات المناطقية والفصائلية، وأن يحد من التأثيرات السلبية لخلافات هذه الفصائل ومماحكاتها القائمة، وأن يوفر، استناداً إلى وثيقة الوفاق الوطني، (وثيقة الأسرى)، وإلى اتفاقي القاهرة 2005 و2011، الحد الأدنى لبرنامج سياسي وطني، يرسم خطوط وأهداف وشعارات وميادين وأشكال وأدوات المقاومة الشعبية الدائرة بشكل موحد، وبما يؤدي إلى تصعيدها وإدامتها ميدانياً، وحمايتها سياسياً، وإلى انخراط كل الفئات العمرية والاجتماعية فيها. وهذا بدوره يؤدي إلى استعادة، (وهنا الأهم)، الثقافة والقيم الوطنية، وإلى خلخلة أركان 10 سنوات من ثقافة الانقسام والاحتراب، وترجيح مصالح الحزب والجماعة والفرد على المصالح العليا للوطن والشعب، وإلى استعادة ثقافة الاعتماد على الذات الوطنية والاعتداد بها، ونبذ ثقافة التعلق بالعوامل الخارجية التي لن تتحرك لنصرة القضية الفلسطينية والغليان الشعبي الفلسطيني ما دامت الرافعة الوطنية الفلسطينية في وضعية رمادية ومنقسمة ومعطلة عن لعب دور المبادر الجريء والحاسم في السياسية والميدان. لقد سبقت الجماهير الفلسطينية قيادتها التي لم تستشرف المستقبل ولم تقرأ منحنى الحركة الشعبية المتصاعد منذ أحرق المستوطنون الفاشيون الشهيد محمد أبو خضير، ومن بعده الشهيد الرضيع دوابشة وعائلته. لذلك لم يعد يكفي أن تزج الفصائل الفلسطينية عناصرها إلى ميدان المواجهة الشعبية الدائرة مع جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه، بل بات مطلوباً منها إعادة بناء الروح والوعي الوطنييْن، بما يؤهلها لقيادة شعب مكافح صبور عظيم لا تعوزه، ولا تعوز جيله الشبابي الجديد، روح الإقدام والشجاعة والاستعداد للتضحية والفداء والعطاء، بل يحتاج إلى قيادة وطنية موحدة صاحبة رؤية، وقادرة على ابتداع أشكال مختلفة وبرامج محددة تجعل من الفلسطينيين خلية نحل عاملة، كي لا يخمد الانفجار الشعبي الدائر، كما خمدت الانفجارات السابقة. لقد تشكلت القيادة الوطنية الموحدة لانتفاضة 1987، في ظروف العمل السري والملاحقة، لكنها صمدت وشكلت في وعي الجماهير قيادة يمكن السير خلفها. أما والظروف الآن أسهل، فإن تلكؤ الفصائل في إصدار البيان الأول للغليان الشعبي المتصاعد، يعتبر تخلياً عن الدور، وتقاعساً عن اتخاذ خطوة جريئة وقوية، من شأنها أن تردم حفرة الانقسام، وأن تعيد ثقة الجماهير بهذه الفصائل، وأن تُخرج الحالة الوطنية الرسمية والفصائلية من الرهان العقيم على خيار التفاوض المباشر مع حكومات الاحتلال. لقد عرض الرئيس الفلسطيني أبو مازن، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما ينبغي، وقائع حروب الاحتلال وقمعه وانتهاكاته ومجازره ومذابحه المتراكمة، وما يفرضه على الأرض من وقائع الاستيطان والتهويد، بما يؤكد أن سياسات الاحتلال ما زالت على حالها: عنصرية هجومية تستبيح فلسطين، شعباً ووطناً وأمناً وموارد، وتغلق باب التسويات السياسية، وتسعى إلى تحقيق المزيد من أهداف المشروع الصهيوني. وهذا ما بات يعرفه العالم، لكن واشنطن هي، أساساً، من تحمي إسرائيل وتمنع عزلها ومعاقبتها، كما حصل مع نظام التمييز العنصري البائد في جنوب إفريقيا، وتحول دون وضع هيئة الأمم أمام مسؤولياتها القانونية والسياسية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني، وفي أقله إلزام إسرائيل، بما هي آخر وأبشع احتلال في العالم، بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع، كقرارات انتهى 22 عاماً من التفاوض المباشر عليها إلى صفر نتائج، لا بسبب عدوانية إسرائيل وتوسعيتها وعنجهيتها وصلفها، فقط، بل وبسبب ما تحظى به حكوماتها المتعاقبة من دعم أمريكي استراتيجي ثابت أيضاً، بما فيها حكومة نتنياهو الفاشية التي تجاهر بعنصريتها، وتطلق يد المستوطنين كجيش ثانٍ لها، وتتمسك ب(يهودية إسرائيل). إن ما تمارسه إسرائيل من فاشية وعنف ميداني وغطرسة سياسية وعنصرية أيديولوجية، هو ما أدى إلى انفجار الشعب الفلسطيني الذي لا تتحرك الأمم المتحدة لتوفير حماية دولية له، ليس بسبب جهلها بما يجري، إنما بسبب ضغوط السياسة الأمريكية المعادية للحقوق الوطنية والتاريخية الفلسطينية، بل ولقرارات الشرعية الدولية التي لا تعطي سوى الحد الأدنى من هذه الحقوق.