هل ثمة تعاون أو تفاهم أميركي روسي بشأن المستقبل في سوريا؟ إلام أفضت لقاءات الجانبين على هامش اجتماعات الأمم المتحدة؟ هل لأوكرانيا نصيب في المساومة على مستقبل سوريا؟ هذه تساؤلات مشروعة في سياق التحولات الجارية في الأزمة السورية، والتداعيات المتوقعة على منطقة الشرق الأوسط. بالتأكيد لن نحصل على إجابات وافية، لاختلاف الرؤية والبرنامج والأدوات بين الطرفين. ولكن المسلم به هو التنسيق الاستخباراتي بين الجانبين، ولاسيما أن إسرائيل وإيران حاضرتان بقوة في المشهد، ويمثلان القاسم المشترك، وضابطا الإيقاع إلى حد كبير بين الطرفين، وتصريحات الجانبين (الأميركي والروسي) تؤكد وجود اتصال مستمر بين وزارة الدفاع الروسية والبنتاغون الأميركي، والمؤكد أيضا أن المعادلة الأوكرانية حضرت بقوة في حوار بوتين أوباما، ووصلت إلى درجة المساومة "وإن على حساب أرواح الشعب السوري". " أميركا هي صاحبة مشروع، لا يحدد ملامح ومستقبل سوريا فحسب، بل توزيع المنطقة برمتها، وبذلت الكثير لإطالة أمد الأزمة السورية حتى تنضج ملامح المشروع (الشرق الأوسط الجديد بأدوات إيرانية وإسرائيلية)، وترتسم معالمه على أرض الواقع " ولكون المعادلة مقلوبة في نظر بوتين، لذا جاء الرد الروسي سريعا وقويا ومباشرا عسكريا في سوريا، وأعاد للأذهان العملية العسكرية الروسية في جورجيا عام 2008 في عهد مدفيدف ردا على سلوكيات جورج بوش الابن تجاه أوسيتيا والتي تعتبرها روسيا منطقة إستراتيجية في القوقاز الروسي. ـ أما في الشأن السوري، فلعل نقطة الاختلاف الجوهرية بين الطرفين الأميركي والروسي أن أميركا صاحبة مشروع، لا يحدد ملامح ومستقبل سوريا فحسب، بل توزيع المنطقة برمتها، وبذلت الكثير لإطالة أمد الأزمة السورية حتى تنضج ملامح المشروع (الشرق الأوسط الجديد بأدوات إيرانية وإسرائيلية)، وترتسم معالمه على أرض الواقع وخاصة في سوريا والعراق. ولأن الحل السياسي التفاوضي السوري سوف يتقاطع مع مشروعها في المنطقة، فقد غيبت كافة الأبعاد الدبلوماسية الفاعلة (أعني من داخل المعارضة السياسية السورية)، وفعّلت أمام القيادات السياسية والأمنية الإقليمية مشكلة الإرهاب في سوريا، المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) (الكيان الهلامي) بتحرك عسكري دولي مثير لكثير من علامات الاستفهام في أهدافه وضرباته ونتائجه، بل وتصريحات كبار المسؤولين الأميركيين (وزير الدفاع الأميركي) بأن الضربات الموجهة لتنظيم داعش، تقوي من جانب آخر النظام السوري؟! ـ أما روسيا فهي صاحبة موقف محدد في سوريا، يتلخص في أنها لن تتنازل عن سوريا للمشروع الأميركي، كما خسرت العراق وليبيا من قبل، ولن تستنجد حضورها على الخريطة السياسية والعسكرية السورية، بل تعتزم أن تفرض نفسها بالقوة دون أي اعتبار لأي تفصيلات أخرى، تستند في ذلك على حضور عسكري قديم في ميناء طرطوس منذ العام 1971، وعلى طلب "فاقد للشرعية" من النظام السوري بالتدخل العسكري الروسي، فضلا عن تبريرات مكافحة الإرهاب (داعش) الذي لا تستطيع أميركا نفي خطره وضرورة مكافحته، فهي قائدة التحالف الدولي لمحاربة داعش. والمحور الأخطر هنا أن الصراع في سوريا تحول إلى عناد ومواجهة دولية، وأن احتدام الصراع الأميركي الروسي في سوريا، قد يستدعي حضور الصين عسكريا فهي صاحبة الشراكة الاستراتيجية العسكرية مع روسيا والدفاع المشترك عن مصالح الطرفين، ولن تتردد الصين في الوقف إلى جانب روسيا سياسيا وعسكريا في سوريا. " الطرفان الأميركي والروسي لا يريدان سقوط نظام الأسد، عمليا بممارسات الجانب الأميركي، وعلانية بتوجهات الروس، وهما يشتركان في ضرب قوى الثورة التي خرجت من رحم الثورة الشعبية السورية، والألوية السنية التي تناصر الثورة السورية " ـ المفارقات الرئيسية بين طرفي الصراع في سوريا، ثلاث: ـ الأولى: الطرفان لا يريدان سقوط نظام الأسد، عمليا بممارسات الجانب الأميركي، وعلانية بتوجهات الروس. ـ والمفارقة الثانية أنهما يشتركان في ضرب قوى الثورة التي خرجت من رحم الثورة الشعبية السورية، والألوية السنية التي تناصر الثورة السورية. ـ والمفارقة الكبرى أنه لم يتحدث أي من الطرفين عن تدخلات إيران المباشرة عسكريا في الشأن السوري، من خلال حزب الله اللبناني، والألوية الإيرانية التي يقودها قاسم سليماني من العراق، والتي تنكل بالشعب السوري، وتمارس إرهابا غير مسبوق، بل وتعمل على تغيير ديموغرافي ممنهج خاصة لدمشق القديمة، فالمتابع للشأن السوري، يقرأ مستقبلها من خلال الواقع في العراق، وبين هذا وذاك يجب أن نستحضر تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي للعلويين في سوريا ليكونوا مستوطنين في هضبة الجولان! ـ المعضلة الأساسية والتي خلقتها ممارسات القوى الدولية، هو الاختلاف "المتفق عليه" بشأن مستقبل سوريا بعد نظام بشار الأسد، فسقوط النظام في هذه المرحلة غير مرحب به على الإطلاق من كافة الأطراف، فالأجواء المحيطة بالشأن السوري تعني سيطرة ألوية إيران العسكرية على مفاصل جغرافية سوريا التي وصلت إليها بالتنسيق مع النظام، وبالتالي ستكون سوريا ساحة مواجهة عسكرية متعددة الاتجاهات على غرار ليبيا برعاية قوى دولية وإقليمية، وستكون إسرائيل حاضرة عسكريا بحجة حماية أمنها. وأكاد أجزم أن قوى الثورة والمعارضة السورية في الداخل والخارج تعترف في قرارة نفسها أنها غير جاهزة لهذه المرحلة، وتأمل في سيناريوهات أخرى بديلة، ولكن الخيارات السورية صعبة، وصعبة جدا في هذه المرحلة، فلم تدع القوى الدولية والتدخلات الإيرانية أية خيارات ممكنة ومقبولة أمام الشعب السوري وممثليه من قوى المعارضة. ـ لذا قد يلجأ المجتمع الدولي إلى جنيف3، لإعلان مبدأ وحدة سوريا، ولكن لن يكون ذا جدوى إن لم يتم إقرار جملة من الممهدات للمستقبل السوري، منها: " ستظل الخيارات المتاحة بشأن المستقبل السوري، قليلة وصعبة جدا، ليس لانعدام الحلول، ولكن لغياب الإرادة الصادقة للقوى الدولية لحل الأزمة بما يحقق مصلحة الشعب السوري، فالمعطيات على أرض الواقع فيها تغييب كامل لإرادة ومصلحة ومستقبل الشعب السوري " 1- إيجاد مناطق آمنة داخل سوريا تمثل مساحة واسعة من جغرافية سوريا، بإشراف الأمم المتحدة، حتى تعود الحياة المدنية وتستقر في مناطق رئيسية، بإدارة شعبية سورية. 2- حظر الطيران العسكري في روسيا، مع مراقبة جوية أممية. 3- العمل على إعادة المهجرين واللاجئين السوريين إلى المناطق السورية الآمنة. ـ ستظل الخيارات المتاحة بشأن المستقبل السوري، قليلة وصعبة جدا، ليس لانعدام الحلول، ولكن لغياب الإرادة الصادقة للقوى الدولية لحل الأزمة بما يحقق مصلحة الشعب السوري، فالمعطيات على أرض الواقع فيها تغييب كامل لإرادة ومصلحة ومستقبل الشعب السوري. من هنا فلعل الحل يبتدئ من جانب المعارضة السورية، وفق محركين أساسيين: الأول: إنجاز مشروع مدني متكامل لمستقبل سوريا بعد نظام بشار الأسد، يتضمن مشروع الدستور الجديد "المؤقت" لسوريا بعد الثورة، يحدد معالم الحياة المدنية، ويرسم أطر العلاقات الإقليمية والدولية. الثاني: التوافق على شخصيات سياسية وعسكرية تدير المستقبل السوري لمرحلة انتقالية مدتها سنتان، إلى حين استقرار الحياة المدنية، واستكمال الأجواء والترتيبات لانتخابات شاملة. ـ ولابد لهذه الخطوة حتى تحقق نجاحها، أن تتم برعاية ودعم خليجي، وأن تكون جزء من الرؤية الخليجية لحل الأزمة السورية، مع التفكير في آليات الحماية الدولية للمستقبل السوري من التدخلات الإقليمية (الإيرانية والإسرائيلية) وسبل مكافحة التنظيمات الإرهابية التي خلقتها أجواء الصراع السوري.