في كل عام تجري السيول في موسم هطول الأمطار على وادي ستارة بمنطقة مكة المكرمة، والذي يقع على طريق الهجرة بين مكة والمدينة، لكنها حتى تاريخه تبدو تلك المياه الجارية رغم كثرتها بلا فائدها، حينما تضيع هدرا وتذهب إلى البحر و«المجهول»، دون أن يستفيد منها السكان، بل تتسبب في بعض الأضرار، حينما تجرف معها أحيانا بعض أشجار النخيل والخضراوات التي يشتهر الوادي بزراعتها. إنها معاناة قد تستمر طويلا مع ضياع الفائدة من تلك المياه الجارية وخيراتها، إلى أن يتم الالتفات إلى مطالب أهالي قرى وادي ستارة بإنشاء سد أو أكثر، من أجل الاحتفاظ بثروة الماء، التي لها الكثير من الفوائد لهم ولمنطقة مكة المكرمة، وللزائرين من حجاج وعمار بيت الله الحرام، الذين يمرون بالمنطقة في طريقهم إلى مدينة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. «عكاظ» جالت في عدد من تلك القرى، والتقت عددا من أهاليها، الذين تحدثوا عما يجولون في خاطرهم من آمال وتطلعات بشأن الاحتفاظ بالقدر الأكبر من تلك المياه المهدورة. معاناة مع سقوط الأمطار ويعيش سكان وادي ستارة معاناة كبيرة أثناء سقوط الأمطار، وذلك حينما تنحدر السيول مع الوادي بشدة، ودائما ما تتسبب في حدوث غرق بعض السكان، وتجرف العديد من السيارات والممتلكات، وبالتالي يتعطل أغلب الموظفين من الذهاب إلى وظائفهم، خصوصا الذين يسكنون على ضفاف الوادي. كما يستمر حصار المواطنين من سكان القرى على جنبات الوادي؛ فيعانون من نقص في المواد الغذائية خلف السيول، التي تقدم من مسافات تصل إلى 100 كلم، والتي يستمر جريانها لعدة أيام في الكثير من الأحيان. ويشار إلى أن الكوبري الوحيد الذي تنفذه وزارة النقل بقرية السليم، متعطل منذ 5 سنوات حيث توقف تنفيذ المشروع، والمواطنين بحت أصواتهم وهم يطالبون الوزارة باستكمال تنفيذه، ولكن لا حياة لمن تنادي. مطالب بإكمال الكوبري الوحيد وعن هذا الكوبري المتوقف، يقول عبدالعالي عامر البنوي أنه يخدم الكثير من القرى، منها السليم وحورة والدوارة وجظة وأبو شهاب، كما أنه يربط محافظة الكامل بالخط السريع. لكن مقاول المشروع توقف عن العمل وتعطل العمل فيه، وبقى المشروع متوقفا لفترة طويلة، ونأمل أن تعجل وزارة النقل في خطوات استكمال هذا المشروع. آمال السدود لحفظ الثروة ويطالب سكان الوادي وزارة النقل أيضا، بعمل جسور أخرى تربط أطراف الوادي بالكثير من القرى الأخرى المنتشرة على جنباته، لتفادي تعطل تنقلات المواطنين أثناء هطول الأمطار وجريان السيول، كما يطالبون وزارة الزراعة ببناء سدود في الوادي في أكثر من موقع، لحماية المواطنين من خطر السيول، وللحفاظ على الثروة المائية التي تنضب من الوادي مبكرا. سد في «القرية القديمة» ويضم وادي ستارة قرابة 50 قرية وهجرة تقع على جنباته، إضافة إلى عدد كبير من المزارع التي تزرع بها مختلف أشجار الليمون والنخيل والخضروات المختلفة. وقد يكون «ستارة» الوادي الوحيد في منطقة مكة المكرمة، الذي حرم من إنشاء السدود، حيث إن سيول هذا الوادي تذهب هدرا في البحر دون أي تخزين؛ ما يعرض الآبار فيه إلى النضوب مبكرا وبشكل سريع، حيث لا يكفي مخزونها أكثر من عام واحد؛ فتعطش المزارع وتموت الأشجار. وبالتالي طالب عدد من سكان الوادي بضرورة إقامة سدود في أكثر من موقع، حتى تكون هذه السدود أمانا للمواطنين بعد الله من جريان السيول وتهديدها لهم. إضافة إلى حفظ الثروة المائية التي تهدر سنويا في البحر دون الاستفادة منها. عن هذا الحلم، قال كل من ضبيان العطاوي وخليفة موسم العطاوي، إن قرية جليلة أو القرية القديمة مكان مناسب ويعتبر المكان الأقل سعة، حيث لا يتجاوز عرض الوادي فيه كيلومترين فقط، وهو مضيق مناسب ولا يكلف الدولة ميزانية كبيرة. كما لا يتعرض لأملاك المواطنين، إضافة إلى أنه ملتقى لأودية كثيرة، منها وادي ستارة وأودية حورة وشيعات؛ ما يجعل هذا المكان مناسب جدا، وهو مكان متوسط في موقعه على العموم. الخروج من الوادي من جانبهم، كشف كل من وصل الله مرفوع الجامعي ومعيض رجا الله الجامعي وأحمد نشاط البناتي، أن هناك العديد من القرى نشأت على جانب طريق الهجرة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث خرج الكثير من السكان من جنبات وادي ستارة بعيدا عن السيول وخطرها، مشيرين إلى أن مديرية الدفاع المدني دائما ما تطالب السكان بالخروج من الأودية والبعد عن مجاري السيول. وفي الوقت نفسه، طالب هؤلاء بضرورة إنشاء طرق خدمة بجوار الخط السريع، تخدم المواطنين بعيدا عن خطر الحوادث وتجاوز الطريق السريع، مشيرين إلى أن بقاء المواطنين في الأودية يعرضهم لخطر السيول، كما أن انتقالهم إلى جوار الخط السريع يعرضهم للحوادث، لذلك لا بد من إنشاء خطوط خدمة تربط القرى بعضها ببعض وتبعد المواطنين عن مخاطر الحوادث المرورية. إكثار الجسور كما أكد جابر سالم البناتي حاجة الوادي إلى عدد من الجسور، وليس لجسر واحد كحال ذلك الذي توقف العمل فيه، وذلك من أجل ربط قرى أطراف الوادي ببعضها البعض، ولكي تبعد ساكنيها عن أخطار السيول وتسهم في فك احتجازاتهم لعدة أيام. وقال البناتي: «هناك الكثير من السكان يقطنون على ضفاف الوادي، وهناك العديد من المزارع التي تنتشر على جنباته، حيث يتعطل المواطنون أثناء جريان السيول مما يعرضهم للخطر والاحتجاز ونقص المواد الغذائية التي تتمركز في المحلات التجارية على طريق الهجرة، الذي يمر بالوادي»، منوها إلى أنه لا بد من القيام بدارسة مقننة، يتم بعدها اختيار أماكن مناسبة لعمل جسور، تساهم في راحة المواطنين وإبعاد الأخطار عنهم. 20 ألف نسمة يتمتعون بخصوبة أراضي «ستارة» يتجاوز طول وادي ستارة 100 كيلومتر، وينحدر من جبال مركز حرة الشرع، عند الحدود الإدارية مع منطقة المدينة المنورة، ويصب في البحر الأحمر بالقرب من محافظة رابغ، ويتبع إداريا لمحافظة خليص التابعة لمنطقة مكة، حيث يمتد من مركز الظبية والجمعة جنوبا حتى الحدود الإدارية لمنطقة المدينة شمالا، ومن حدود محافظة الكامل الإدارية شرقا حتى الحدود الإدارية مع محافظة رابغ غربا. ويعتبر وادي ستارة من أكبر أودية الحجاز، بحسب ما ذكره المؤرخ عاتق بن غيث البلادي، وتسكن الوادي قبائل بني سليم، حيث تتبعه الكثير من القرى الواقعة على أطرافه، ويبلغ عدد سكان تلك القرى حوالى 20 ألف نسمة، ويعد البوابة الشمالية لمنطقة مكة المكرمة للقادمين من المدينة المنورة. ويتميز الوادي بموقعه الاستراتيجي على طريق الهجرة بين المدينتين المقدستين، وكذلك مدينة جدة، حيث يمر بالوادي الحجاج والمعتمرين طوال العام. ويحوي الوادي الكثير من الآثار التاريخية، كما أنه يعتبر مقصدا سياحيا للكثير من الأسر، لما يتمتع به من جو معتدل وخاصة أعالي الوادي، كما يتميز بخصوبة أراضيه وكثرة العيون به، حيث تزرع فيه كافة الخضراوات وأشجار النخيل بكثرة، وينتج كميات كبيرة من تمور اللبان والمتلبن، التي يمد بها أسواق جدة ومكة المكرمة. ونتيجة لمرور طريق الهجرة بوادي ستارة، قام سكان الوادي بالعمل في مجال التجارة، إضافة إلى عملهم في الزراعة، حيث أقيمت مراكز تجارية على جنبات الطريق. زيادة مدارس الوادي دخل التعليم إلى قرى وادي ستارة منذ وقت مبكر في بداية السبعينات الهجرية، أي قبل ما يتجاوز 70 عاما، حيث أقيمت أول مدرسة حينذاك في برية السليم، وقد تخرج منها أجيال تقلدوا مناصب عليا في الدولة. وحصل عدد وافر من أبناء هذه المنطقة على الشهادات العليا من جامعات المملكة المختلفة، وبرز منهم الكثير في كافة المجالات، فمنهم الأكاديميون والأطباء والمهندسون والعسكريون والمعلمون والإعلاميون وغير ذلك، شأنهم شأن بقية أبناء هذا الوطن الغالي. وحاليا تضم قرى وادي ستارة قرابة 15 مدرسة ما بين ابتدائية ومتوسطة وثانوية للبنين والبنات، وفي الوادي مركز للإمارة، ومركز صحي، ومركز لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومركز للهلال الأحمر، ومجمع خيري، ومركز لأمن الطرق.