أخيراً ظهرت أولى نتائج إرهاصات تقارب الغرب بزعامة الولايات المتحدة مع إيران، بعد المكالمة الشهيرة التي جرت بين الرئيس روحاني والرئيس أوباما على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الشهر الماضي. في ما يخص تلك المكالمة، إيرانياً: الأمر ليس أكثر من محاولة نخبة جديدة حاكمة في طهران تختلف عن إدارة الرئيس السابق أحمدي نجاد في التعاطي «تكتيكياً» مع ملف في غاية الخطورة مثل ملف برنامجهم النووي الذي يرون أنه قطع شوطاً بعيداً يجعل من المستحيل العودة به إلى الخلف والتخلي عنه، أو حتى المساومة عليه. في المقابل يرى الأمريكيون والغرب، بصفة عامة، أنه فات أوان التعاطي بتطرف يصل لحد التفكير في خيار استخدام القوة من أجل تطوير حل حاسم لوضع حدٍ عملي ونهائي لذلك البرنامج، كما أن سلاح المقاطعة السياسية والاقتصادية قد وصل إلى آخره. بعبارة أخرى: يشعر الغرب أنه فات أوان القيام بعملية عسكرية جراحية لوضع نهاية عملية لبرنامج إيران النووي، وإن كان ذلك لا يمنع إسرائيل من القيام بذلك العمل سواء بالأصالة عن نفسها أو نيابة عن الغرب، إذا ما افترضنا جدلاً أن هناك خصومة أو عداءً بين طهران وتل أبيب، كما يبدو على السطح. طالما اتفق الجانبان على برنامج عمل، في مؤتمر جنيف الأخير الأسبوع الماضي، فإن ذلك يعد مؤشراً لإذابة الجليد بينهما.. وأن احتمالات التصعيد في المواجهة بينهما أضحت بعيدة. فلغة الدبلوماسية تختلف عن لغة القطيعة، دونما حاجة لأن يكرر كل طرف مطالبه النهائية من الطرف الآخر. لقد أخذ كلٌ منهما يظهر مرونة أكثر في مستويات الأزمة الدنيا، وإن ظلا لا يبرحان التذكير بسقف كل منهما الأعلى في سلم تطلعاته من إدارة الأزمة. إيران استبقت لقاء جنيف الأخير بالتأكيد على سقف مطالبها الرئيسية من إدارة الأزمة.. والرئيس أوباما في رد فعله على برنامج العمل المعلن، قال: أنه لن يسمح لطهران باستخدام برنامجها النووي لامتلاك سلاح نووي! ترى ما الذي يتمخض عنه هذا التطور الجديد في ملف العلاقات المتوترة بين إيران والغرب، الذي استُخدم فيه برنامج إيران النووي غطاءً شكلياً له. إيران موقفها معروف بأن يعترف بها الغرب كدولة فوق العادة، إذا جاز هذا الوصف، في منطقة الخليج العربي. وإن كان هذا يلاقي قلقاً أمريكياً بسبب تطلعات نظام الملالي في طهران التوسعية في المنطقة، بعيداً عن تفاهمات الغرب مع شاه إيران السابقة. بالمقارنة: تبدو هنا توجهات نظام الملالي الأيديولوجية هامشية، بالنسبة لواشنطن. في التحليل الأخير يرى الغرب وخاصة واشنطن، أن الإسلام السني أخطر من الإسلام الشيعي بالنسبة لمصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط والعالم بصفة عامة. الولايات المتحدة والغرب يمكن أن يتعايشوا مع إيران نووية، مع نظام للتفتيش على برنامجها النووي يؤخر ولا يلغي انضمام إيران للنادي النووي الدولي، بشرط أن تتواضع إيران في مطالبها الاستراتيجية في المنطقة، بحيث لا تمثل تهديداً مباشراً لأصدقاء الغرب التقليديين في الجانب الآخر من الخليج العربي. وهذا مرحلياً يفسر الترحيب المتحفظ بهذا الاتفاق من قبل دول مجلس التعاون. لكن في الأمدين المتوسط والبعيد، قد يكون من مصلحة واشنطن أن تبقي طهران خطراً محتملاً لدول الخليج العربية، من أجل الإبقاء على المتغير الأمريكي في رسم الاستراتيجية الأمنية لدول مجلس التعاون، بعد أن تم لواشنطن والغرب تأمين جبهة إسرائيل في المنطقة بتطوير علاقة خاصة، لها صلات قوية بواشنطن والاتحاد الأوروبي، بعد معاهدتي كامب ديفيد ووادي عربة. المحصلة النهائية: وضع دول شرق السويس العربية بين فكي كماشة نووية واحدة في الشرق (إيران) والأخرى في الغرب (إسرائيل).