برنامج الابتعاث الخارجي نقطة تحول تاريخي بكل المقاييس في تنمية الإنسان واستثمار العقول وكلف خزينة الدولة ما يقارب الستين مليار ريال حتى الآن، ما يعكس الإيمان الراسخ للقيادة بأن العلم هو السلاح الأقوى لمواجهة تحديات المستقبل.. ومصدر الأمان لرفعة الأوطان. الدارسون الذين حالفهم حظ الحصول على مقعد ضمن 19 تخصصا التي أدرجت بناء على حاجة سوق العمل بالتنسيق مع عدة جهات، منها وزارة الخدمة المدنية ووزارة العمل والغرف التجارية، وضعوا على عاتقهم مسؤولية تحقيق أهدافه في رفع مستوى الاحترافية المهنية وتطويرها وقدموا العديد من التضحيات في سبيل تبادل الخبرات العلمية والتربوية والثقافية مع مختلف دول العالم، وينتظرون ساعة العودة الى وطنهم لوضع بصمة التغيير ومواصلة مسيرة البناء نحو الأفضل. ومع وصول الدفعة الأولى من مبتعثي المراحل المبكرة الذين تسلحوا بالعلم والمعرفة والفكر، بل إن بعضهم احتفت بهم الجامعات وكرمتهم وقدمت لهم العروض المغرية للاستفادة من عقولهم المبدعة، إلا ان حب بلادهم كان غالبا على مصالحهم وحال دون ذلك، وبدلا من أن تكون فرص العمل تنتظرهم إذا بهم يصطدمون بحاجز البيروقراطية، وتضيق بهم الأرض بعد ان اتسعت لغيرهم من العمالة الوافدة التي تجاوز عددها سقف الستة ملايين عامل منهم من يشغلون وظائف كبيرة، وهناك من المتبعثين العائدين من هم قادرون على تحمل مسؤولياتها، بل ان بعضهم لم يجد خيارا أفضل غير التسجيل في برنامج الباحثين عن العمل «حافز» لحين وصول الحلم. إن مرارة الصدمة لهؤلاء الذين يشاهدون بأعينهم الكثير من المناصب والمواقع تشغلها العمالة الوافدة، بعضهم أقل منهم كفاءة، يجدون ذلك بمثابة تجميد للعقول وتعطيل للمهارات، بل يعكس غياب الهدف الرئيسي لما بعد الانتهاء من مرحلة الابتعاث وعدم توفير بيئة عمل ملائمة تحتضنهم وتساهم في دمجهم داخل القطاعات على المستويين الحكومي والخاص. 150 ألف مبتعث ومبتعثة إجمالي المنتسبين للبرنامج في جميع المراحل العلمية والتخصصات عاد منهم 55 ألف متخرج؛ بحاجة الى إيجاد آلية واضحة، بعيدا عن التعقيد والبرامج الغائبة عن الواقع؛ لاستثمارهم وفقا للرسالة الرامية إلى خلق بيئة تنافسية عالمية في سوق العمل ومجالات البحث العلمي تكون رافدا مهما في دعم الجامعات السعودية والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات، إضافة إلى تبني مشروع عملاق تشارك فيه عدة وزارت (الخدمة المدنية – العمل – المالية) لوضع مسارات واضحة تستوعب تدفق العائدين بما يضمن لهم وجود فرص حقيقية ومناسبة. هذا آخر كلامي.. أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول: «نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل». akenane@okaz.com.sa