أولى العرب والمسلمون العمارة العسكرية اهتماماً كبيراً إلى جانب العمارة المدنية والدينية الممثلة في المساجد والمدارس والأربطة والأضرحة، حيث قاموا بتحصين مدنهم وإعدادها لصد غارات المعتدين، لذلك انتشرت العمائر العسكرية من قلاع وحصون وأسوار وأبواب مدن وأبراج وأربطة، وقد زودت هذه المنشآت بالمتاريس والسقاطات والمزاغل وغيرها. وتعتبر قلعة عجلون أو قلعة الربض من أهم القلاع الدفاعية التي شيدت بمنطقة شرق الأردن، وقد أقامها عزالدين أسامة أحد قادة صلاح الدين الأيوبي سنة 580 هجرية بعد معركة حطين، فوق أنقاض حصن روماني، وأرادها نقطة ارتكاز لحماية خطوط المواصلات، وطرق الحج بين بلاد الشام والحجاز، فهي تشرف على وادي الأردن، وتتحكم بالمنطقة الممتدة بين بحيرة طبريا والبحر الميت، وفي زمن العثمانيين سُميت قلعة ابن فريح، إشارة إلى قبيلة الفريحات التي كانت تحكم تلك المنطقة. يمثل بناء القلعة معلماً عبقرياً للهندسة العسكرية الإسلامية، على الرغم من أنها تعرضت لزلازل مدمرة خلال عامَي 1837 و1927، إلّا أنها بقيت صامدة، لتكون شاهداً حياً على تاريخ معماري بديع للمسلمين في ذلك الوقت. اختار القائد أسامة قمة جبل بني عوف على ارتفاع 1050 متراً عن سطح البحر، لحنكة عسكرية تتمثل في رصد تحركات الفرنجة وتنقلاتهم، إلى جانب السيطرة على مناجم الحديد التي اشتهرت بها جبال عجلون، ليكون مكاناً للقلعة. بُنيت القلعة على شكلٍ شبه مربّع، وفيها أربعة أبراج عند زوايا البناء، ويتكون كل برج من طابقين، وفُتحت في جدرانها السميكة نوافذ ضيقة لإطلاق السهام، وأحيطت بخندق يبلغ متوسط عرضه نحو (16) متراً، ويتراوح عمقه ما بين 12 و15 متراً، واستعمل كحاجز يحول دون الوصول والاقتراب من الجدران المحيطة بالبناء. كما تكثر الدهاليز والممرات الضيقة في القلعة، وفيها أيضاً القاعات الفسيحة التي كانت منامات للجند وإسطبلات لخيول الأيوبيين، إضافة إلى آبار المياه التي تتسع لآلاف الأمتار المكعبة من مياه الأمطار. ويحوي النظام الدفاعي للحصن، جسراً متحركاً ومرمى سهام موجوداً بين برجين ومقاذف وكوات للرمي، وتتميز مقاذف قلعة عجلون عنها في القلاع الأخرى بأنه يمكن تحويلها في وقت السلم إلى نوافذ بفضل الأحجار القابلة للتحريك. ومن بين العناصر الزخرفية التي زينت بها القلعة، نجد نماذج على شكل صدف، ونجد أيضاً نماذج للطيور المتقابلة ولطائر الرخ، وهو حيوان خرافي ذُكر في رواية ألف ليلة وليلة. وقد تأثر قصر عجلون بالقلاع الرومانية البيزنطية المزودة بالأبراج الركنية مثل قصر الحلابات وقصر البشير المنسوب للإمبراطور الروماني ماكسيم وقصر الثريا. ولقد لعبت القلعة في أوقات السلم دوراً مهماً في المنطقة، إذ إنها كانت مقراً للحكم والقضاء، ومقراً لإبداع الشعراء والكتاب، حيث تشير المصادر العربية القديمة إلى المسابقات التي كانت تُجرى بين الشعراء في داخل القلعة، ومنهم: محمود بن طه العجلوني، ويحيى بن خضير السلمي البصري، ومحمد بن سليمان، وظافر المارداني، وعلاء الدين بن غانم. كما كانت القلعة تستخدم كمحطة للحمام الزاجل، وكان هذا الحمام يخرج من القاهرة إلى غزة إلى جنين ثم إلى قلعة الربض، ومنها إلى إربد ثم إلى دمشق، وكان هذا الخط البريدي على قدر كبير من الانتظام والسرعة في نقل الأخبار بين أجزاء المملكة واسعة الأرجاء ومترامية الأطراف.