بعد سنوات من النقاش حول فرض منطقة حظر طيران بقيادة أميركية في سوريا لحماية الثوار والمدنيين، فرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منطقة حظر طيران خاصة به منذ أيام، وذلك لحماية قاعدته العسكرية الجديدة هناك. وفي الولايات المتحدة، تتزايد دعوة الحزبين الجمهوري والديمقراطي لفرض منطقة حظر طيران أو منطقة إنسانية عازلة في سوريا. وقالت هيلاري كلينتون السبت إنها لو كانت لا تزال في منصبها لكانت دافعت عن فرض منطقة حظر طيران لحماية المدنيين ولوقف تدفق اللاجئين، غير أن بوتين جعل الأمر يبدو سهلا. ويعتبر الجنرال فيليب بريدلوف، القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي «ناتو» الأوروبية، أول مسؤول غربي رفيع المستوى يصرح علانية بأن المنشآت العسكرية الروسية الجديدة والتي تشمل أنظمة دفاع مضادة للطائرات، شكلت منطقة حظر طيران فعلية. وقال الجنروال بريدلوف إن «القدرات الدفاعية بالغة التطور» لم تستهدف تنظيم داعش، «بل استهدفت غيرهم». وأكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) المدى الذي تغطيه منطقة حظر الطيران الروسية الجديدة في سوريا بإعلانها أن الولايات المتحدة وروسيا قد دخلتا في مشاورات حول تجنب حدوث «تعارض» بين العمليات العسكرية للدولتين هناك بقيادة إيليسا سلوتكين، القائم بأعمال السكرتير العام المساعد لشؤون الأمن الدولي. وقالت سلوتكين لمحاوريها الروس إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق من أن الضربات الجوية الروسية لا تستهدف «داعش»، بل غيرها من الجماعات المعارضة، منها بعض الجماعات التي تدعمها الولايات المتحدة. وحسب تصريح بيتر كوك، السكرتير الإعلامي للبنتاغون الخميس، الولايات المتحدة لن تكون ملزمة باستخدام سلاح الطيران للدفاع عن المعارضة السورية، غير أنه لم يؤكد هجوم الروس على المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة. وقال: «لن أناقش مواقف افتراضية»، مضيفا: «لقد أوضحنا أهمية المعارضة السورية المعتدلة لمستقبل سوريا السياسي». تناقش الإدارة الأميركية فكرة الرد على الهجمات الروسية ضد المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة. ويجادل مسؤولو الخارجية في أن محادثات تجنب التعارض مع روسيا عقلانية وتراعي الاعتبارات الأمنية، وأن الموقف الأميركي لا علاقة له بالأمر الواقع الجديد الذي فرضه بوتين في الحرب الأهلية السورية، إلا أنه في نفس الوقت هناك جهد يبذل من أجل إعادة إشراك روسيا في المسار الدبلوماسي. وعقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف ثلاثة لقاءات هذا الأسبوع لمناقشة حلول للوضع السياسي في سوريا، غير أن هذه النقاشات لا تهدف إلى إبعاد الوجود العسكري الروسي الذي تقبله إدارة أوباما الآن كأمر واقع. وأبلغني كثير من المسؤولين أن مسؤولي إدارة أوباما استمروا من خلف الستار في إبلاغ الروس والإيرانيين على مدار عام كامل أن الولايات المتحدة لن تعترض على دور أمني كبير لهم داخل سوريا. وسعت الولايات المتحدة لقبول هذا الوضع في مقابل مساعدة الروس والإيرانيين لها في إزاحة الأسد عن الحكم. وقال أندرو تابلر، زميل معهد سياسيات الشرق الأدنى: «تكمن الفكرة في أن يتنحى الأسد عن الحكم ثم يلعب الروس والإيرانيون دورا أكبر، ثم يزعم الأميركان أن كل ذلك يأتي في إطار بيان جنيف»، مضيفا: «غير أنهم انتزعوا ما قدمناه ولم يعطونا ما أردناه، ولذلك كانت مفاجأتنا كبيرة». ومنذ سعى الروس لبناء منشاتهم العسكرية الشهر الماضي، استمرت الولايات المتحدة في إعطاء إشارات توحي باستعدادها لقبول دور روسي وإيراني داخل سوريا من دون أن تقطع أي من الدولتين على نفسها وعدا بإزاحة الأسد من الحكم في المستقبل المنظور. وكان جون كيري صرح بأن الولايات المتحدة مرنة بشأن رحيل الأسد، ناهيك بأصوات أخرى قريبة من البيت الأبيض ذهبت إلى أبعد من ذلك. وقال فيليب جوردون، المنسق السابق بالبيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط: «يجب إعادة التفكير في السياسة الحالية للولايات المتحدة وشركائها التي تهدف إلى زيادة الضغط على الأسد حتى يجلس على طاولة المفاوضات ليناقش رحيله عن السلطة». وكان الهدف الأساسي من فرض منطقة حظر الطيران الأميركية المقترحة هو حماية المدنيين، غير أن منطقة حظر الطيران الجديدة التي فرضها بوتين تفعل العكس تماما، إذ إنها تحمي نظام الأسد في الوقت الذي تهاجم فيه المدنيين. كلما سمح أوباما للقوات الروسية بتعزيز وجودها في سوريا، أظهر أنه لا يسعى لإزاحة الأسد عن الحكم في المستقبل القريب.