×
محافظة مكة المكرمة

بالفيديو.. "مواطن السيل الكبير" يهدد بإحراق نفسه مثلما أشعل في سيارته

صورة الخبر

رحم الله الأستاذ عبدالهادي الطيب والذي كان يشرف على صفحة وجهات نظر الخاصة بالقراء بجريدة الجزيرة، فأتذكر وبعض الذكريات لها شجن عذب ومؤلم معا؛ حين من تتذكرهم تشعر بأنهم قد غادروا الدنيا ولكن كما قال كعب بن زهير «كل امرئ وإن طالت سلامته.. يوما على آلة حدباء محمول» قال :- رحمه الله - يا ليت يا محمد تحاول الكتابة لنا بواسطة الكمبيوتر- وكان يقصد أن أقوم بكتابتها على الكمبيوتر كي تبدو أوضح ومطبوعة - لأن مقالاتك تلقى عنايتنا هنا، ونحن نحتفي بها، ولا نريد أن نخسرك، فقلت له بعد تثميني لكلامه، صدقني أنت يا أستاذي كمن يطلب مني أن أهجر مكانا ألفت الجلوس إليه ولا أستطيع الانفكاك عنه، فأنا لن أشعر بالإحساس بما أكتب؛ إذا ماكتبت على لوحة مفاتيح الكمبيوتر، مثلما أنا أشعر بالمتعة واللذة، وتوافر كل أحاسيسي، وأنا أكتب بالقلم، فالقلم وأنا تربطنا علاقة حميمية منذ ولعي بأقلام الحبر «البيجو والإمبريال» وأنا في المرحلة الابتدائية، فقد كان يحضرها زميل دراسة، وكان زميل عملي التربوي وقد تركه مبكرا وهو في أوج عطائه وهو «الأستاذ عبدالله معدي» بحكم أنه يذهب مع والده إلى السوق بحكم أن والده يمتلك محلا لبيع الأقمشة، وبحكم أنه يذهب إلى السوق فهو قادر على إحضارها لنا، وأتذكر أنه لم يكن ليسلمها لنا؛ إلا بعيد دفع ثمنها إليه «طبعا ابن تاجر» وهي ريالان، ولهذا فأنا لا أكتب بأي قلم! بل أكتب بالقلم الحبر، وكان لدي فيما بعد مجموعة من الأقلام من ماركة شيفر، وماركة باركر 21 وبخاصة 45 من النوع النفيس، وبعضها إهداءات من والدي، وقد فقدت الباركر الـ45 بسبب وقوعه مني رأسه «الريشة» وأتذكر يومها أن عدت من المدرسة حزينا، ومازلت أحتفظ به، ولا يمكنني التفريط به، وأتذكر كذلك أني بين فترة وأخرى أقوم بوضع الأقلام الحبر في ماء دافئ بعد تفكيك أجزائها وتركها فترة فيه، ثم أقوم بتجفيفها وتنظيفها وتركيبها مرة أخرى، أعود للأستاذ الطيب، طيب الله ثراه، فقال لي: حاول، قلت إن شاء الله سأحاول، وأنا أحاول إقناعه أن يقدّر ما اعتدته كطقس معتاد ألفته، وحميمة العلاقة مع القلم، ليس عجزا عن مجاراة الجديد في التقنية، لكنه عشق للقلم والكتابة به، المهم جرنا الحديث إلى طقوس بعض الكتاب، وذكرت له بعضها كأمير الشعراء قد كان يكتب على أي ورقة يجدها أمامه، ونزار قباني كان لا يكتب قصائده؛إلا وهو نائم على بطنه على الأرض، والرافعي لا يكتب إلا في الليل، وا يستطيع الكتابة نهارا كما هو يكتب بالليل، وآخرون لا يكتبون إلا حينما يتملّكهم الحزن، وكأن الإبداع عندهم لا يخرج إلا من رحم المعاناة والحزن، وهكذا، طبعا.. لم يمهل القدر الأستاذ الطيب ليرى أني أصبحت أراسل الجريدة عبر «البريد الإلكتروني» بعد كتابتها على لوحة الكمبيوتر، لكني أقولها صادقا، لا أشعر بقمة الإحساس والمتعة والجودة فيما أكتب الآن، مثلما كنت أيام الكتابة بالقلم، والقلم الحبر بالذات، وأنا على هذا تنتابني حسرة على فقدي متعة الكتابة بالقلم، بسبب تعامل الصحف مع «الإيميلات» بدلا عن «الفاكس» ورغبتها في أن تكون الكتابة مكتوبة بالكمبيوتر، وبحكم ارتباطي الوثيق بالقلم والأوراق من صغري، فأنا أمارس الكتابة في سجلات مخصصة، لجمع كل ما يروق لي، بعد أن صنفتها، سجلات للتربية والتعليم، وأخرى للأدب، ومثلها لقضايا المجتمع، وهكذا لأجمع فيها من الكتب والصحف، وكل ما يمر بي في شبكة الإنترنت ويسترعى انتباهي، وهي فكرة استقيتها من والدي يحفظه الله، كانت هذه سانحة هيجتها ذكرى وكما قال الشاعر «تذكرت والذكرى تهيج على الفتى.. ومن حاجة المحزون أن يتذكرا».