خلفت عملية قتل مستوطنيْن اثنين الخميس الماضي التي نفذها مقاومون فلسطينيون قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربيةالمحتلة، حالة من الدهشة والجدل في الشارع الإسرائيلي، لم تتعلق بطبيعة العملية فحسب، بل امتدت إلى جزئية من تفاصيلها، وهي أن المقاومين تعمدوا عدم قتل أربعة أطفال كانوا في السيارة وقت تنفيذ العملية. وقع العملية بحد ذاته أثار القلق والتوجس الأمني لدى الإسرائيليين، لكن الرسالة التي أراد المقاومون إيصالها بعدم قتل الأطفال الأربعة استحوذت على اهتمام إعلام الاحتلال. وتؤكد تحليلات عسكرية إسرائيلية عدة، بأن منفذي العملية التي وقعت قرب مستوطنة إيتمار المقامة على أراضي محافظة نابلس، كان لديهم متسع من الوقت لتصفية كل من كان يستقل السيارة الإسرائيلية، إلا أنهم تجنبوا إيذاء الأطفال الأربعة. جاء هذا، رغم المقاربات الزمانية والمكانية بين العملية وحادثة حرق عائلة دوابشة في قرية دوما، والتي راح ضحيتها الطفل علي ووالداه، في حينأصيب ابنهما الآخر أحمد بحروق بالغة جدا. ورغم إعلان الجيش الإسرائيلي أن المنفذين الفلسطينيين لم يشاهدوا الأطفال الذين كانوا نائمين في المقعد الخلفي من المركبة، فإن حالة من الإقرار طغت على المشهد الإعلامي الإسرائيلي، مفادها بأن المقاومين تعمدوا عدم المساس بالأطفال، بالرغم من الاختلاف في تحليل دوافع ذلك التصرف الإنساني من قبل الإعلام الإسرائيلي. إقرار صريح موقف الإقرار الإسرائيلي الصريح بإنسانية المقاتل الفلسطيني، جاء على لسان المحلل العسكري في القناة العبرية الثانية روني دانييل، الذي قال "إن المهاجمين ترجلوا إلى مركبة المستوطنين واقتربوا من الأطفال الأربعة، لكنهم امتنعوا عن قتلهم وتركوهم بسلام". وأضاف دانييل خلال تعقيبه على مجريات العملية، أن تصرف المقاتلين الفلسطينيين أوصل رسالة إلى الجيش الإسرائيلي خاصة وإلى الجمهور الإسرائيلي عموما، مضمونها "نحن لسنا حيوانات مثلكم ولا نقتل الأطفال مثلما فعلتم في دوما مع عائلة دوابشة". حديث المحلل العسكري عززه ما كشفت عنه طواقم الإسعاف الإسرائيلية، من أن جثة المستوطن المقتول كانت ملقاة على الأرض، وهو ما يعني أن المقاومين تمكنوا من إخراجه من السيارة وسحبه وتصفيته من مسافة صفر. تلك الشهادة أضافت إليها إذاعة جيش الاحتلال أن منفذي العملية كانوا محترفين، حيث وجهوا وابلا من الرصاص من بندقيتين نحو سائق المركبة لإيقافها، ثم ترجلا ونفذا عملية تأكيد القتل، بإطلاق النار على رأس السائق وعلى من تجلس بجواره، مع الامتناع عن قتل الأطفال. قبر الرضيع علي دوابشة الذي قتله المستوطنون حرقا في قرية دوما في نابلس(الجزيرة) شهادات الماضي وأعادت حادثة تحييد المقاتلين الفلسطينيين للأطفال الإسرائيليين من الاستهداف خلال عمليات المقاومة، الذاكرة لأحداث كثيرة جرت في ذات السياق. وكان من أبرز هذه الأحداث حيثيات عملية عمونئيل التي نفذتها خلية تابعة لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 2001، والتي أثارت في حينها جدلا إسرائيليا واسعا، بسبب تصرف منفذها الإنساني تجاه عدد من الأطفال الذين كانوا في مسرح العملية. وبالعودة إلى تفاصيل العملية، أكدت إحدى الإسرائيليات ممن أصبن خلالها، أن منفذ العملية عاصم ريحان صعد بعد انفجار العبوة الناسفة إلى الحافلة المستهدفة للإجهاز على ركابها، فوجد طفلين فقام بإنزالهما منها وأرسلهما بعيدا ولم يقتلهما، بينما عاد وأكمل مهمته، حيث اشتبك مع قوة عسكرية وصلت للمكان، واستشهد على إثرها. استهداف الأطفال في المقابل، تشير وقائع الحوادث خلال الـ48 ساعة الماضية، إلى استهداف الاحتلال الإسرائيلي جنودا ومستوطنين للأطفال الفلسطينيين، حيث أصيب صباح السبت الطفل يوسف بيان الطبيب (عامان) برصاصة دخلت بطنه وخرجت من ظهره، إثر إطلاق مستوطن قرب عزبة الطبيب شرق قلقيلية النار عليه أثناء وقوفه أمام منزله. كما أصيب الطفل راني نعيم التميمي (8 سنوات) بحروق في وجهه ورقبته وكتفه، عقب إطلاق قوات الاحتلال قنبلة صوتية تجاهه في قرية العيسوية شمال شرق القدس المحتلة. يأتي ذلك بعدما أحبط مواطنون فلسطينيون -الجمعة- محاولة مستوطن اختطاف ثلاثة أطفال فلسطينيين بالقرب من كنيسة الجثمانية شرق البلدة القديمة بالقدس، حيث تمكنوا من تخليصهم بعد محاصرة سيارته.