لا شك أن الديمقراطية أسمى وأجدر النظم السياسية، لكن لها مثالبها مثلما لها مناقبها. وهو ما اعترف به تشرشل حين قال إن الديمقراطية نظام سيئ، ولكن كل الأنظمة الأخرى أسوأ منه. مأساة سوريا والعراق من هذه المساوئ والمثالب. يعطينا التدخل الروسي العسكري الأخير في سوريا درسًا في هذا الصدد. فكل هذا المطب الذي وقعت فيه سوريا يعود لمثلبة من مثالب العمل الديمقراطي. فعندما ضرب الأسد جماهير الانتفاضة حاول ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية، التدخل العسكري ضده، لكن البرلمان صوت بأقلية صغيرة ضده. وأدى ذلك التصويت إلى الاحتذاء به من أوباما. وهكذا جرى ما جرى في سوريا بنتيجة أصوات حفنة من النواب من أنصار السلام في البرلمان البريطاني. وعلى نقيض ذلك، نرى كيف تعمل الأنظمة الشمولية. فقد بادر بوتين لإرسال قواته لحماية الأسد، ولم يستشر المجلس إلا بعد أن عبأ طائراته بالقنابل ثم أطلقها في الجو بعد دقائق فقط من موافقة المجلس بالإجماع (!) على تخويله التدخل العسكري في أي مكان من العالم. تتحمل الديمقراطية أيضًا كوارث الحرب العالمية، فعندما شرع هتلر في تجاوز معاهدة «فرساي» بالزحف على منطقة الراين غضوا النظر عنه ولم يبادروا لردعه. كذا فعلوا عندما ضم النمسا ثم تشيكوسلوفاكيا. لم يقفوا ضده إلا بعد أن اقتحم بولندا، أي بعد فوات الأوان. ولكن كيف صعد هتلر لسدة الحكم، أولاً بأول؟ أيضًا نتيجة التخبط الديمقراطي. فالشقاقات والمشاحنات بين الشيوعيين والاشتراكيين واليساريين في الرايخستاغ منعتهم من تشكيل جبهة موحدة ضده، فلم يجد الرئيس غير تكليف الحزب النازي بتسلم الحكم. ومضت الديمقراطيات في دعم هتلر ليقف درعًا ضد بلاشفة روسيا. لكنه انقلب عليها فدفعت الثمن. ولكن أيضًا كيف تسلم البلاشفة الحكم في روسيا؟ أيضًا في شطحة من شطحات الديمقراطية. فالشعب الروسي بلغ حدًا من القرف والأسى من مصائب الحرب العظمى، وكان مستعدًا لتحمل أي شيء للخروج منها. بيد أن النواب في المجلس ظلوا يترددون ويتماحكون في هذا الموضوع والشباب يموتون بالمئات يوميًا في الجبهة. فاستغل لينين تردد المجلس وحكومته المنتخبة فأعلن الثورة البلشفية. أسقط الحكومة الديمقراطية القائمة واستولى على الحكم وأعلن ديكتاتورية البروليتاريا. لأكثر من أربع سنوات شهدنا هذه المسرحية التي مثلتها الديمقراطيات الغربية وبرلماناتها في تخبطها وترددها حيال المسألة السورية وبقاء الأسد. وها هو حزب العمال البريطاني يصوت ضد التدخل الجوي في سوريا دون تفويض من الأمم المتحدة، لنرى بذلك فصلاً كوميديًا رائعًا عندما سيستعمل الروس حق الفيتو ضده! وفي أثناء ذلك حسمت الموضوع الأوتوقراطية الشمولية الروسية في بحر ساعات قلائل، وراحت طائراتها تضرب حيثما شاءت، وتكذب مثلما راق لها. وإذ نسجل هذه الوقفة القوية من روسيا في دعمها لصديقها الأسد، فإننا نتذكر كيف تخلت أميركا عن صديقها الشاه بسهولة مخجلة. وفيما راحت القاذفات الروسية تمزق المعدات التي جهزها البنتاغون للمعارضة، نطق بوتين متشفيًا ومتحديًا: «لقد فشلت السياسة الأميركية في سوريا». فما هو ردك يا أوباما على هذا التحدي الصريح لهيبة الديمقراطية الأميركية في الشرق الأوسط؟ ننتظر الرد.