×
محافظة الرياض

سنعة تصل محطتها الأولى.. وتقطع 1200 متر خلال 92 يوماً

صورة الخبر

قبل ثلاثة أعوام، قدم باكورته الإخراجية عندما صمت عبدالله الحكواتي التي أثارت الجدل، كما إنه لم يكن ليخطأ منطق تخطي العادية في اشتغالاته، فكسب الرهان حينها. بخيل في الكلام ويكره اللغو الذي يفرط في تجاوز المعنى. أكثر ما يحسنه هو الحفر في اشتغالاته كشيطان يتلذذ عيشاً في التفاصيل، فتنافس مع تسعة عروض مسرحية على جائزة القاسمي لأفضل عرض مسرحي عربي، لينتهي بفوزه بجائزة ثاني أفضل عرض متكامل في مهرجان المسرح الخليجي. أذكر بأني كتبت شيئاً عنه -هنا في رؤى- بأنه الشخص الأبرع إثارة للجدل بين جيل الشباب، فهو الصحافي إن شئت، والمدون القناص sharpshooter blogger كما وصفته آنذاك، والفوتوغرافي والسينمائي أيضاً. ها هو الآن يضع باكورة كتاباته الروائية متاهة زهرة بالتعاون مع دار مسعى للنشر والتوزيع، تلك الأخيرة ايضاً، بإدارة الصديق الشاعر والصحافي محمد النبهان لم تكن لتحتل مكانة في عالم صناعة الكتاب إلا من خلال رصانة سياسة النشر لديها وصرامة الاختيار، فشكلت صدمة وعامل كسر للأنا المتورمة لدى بعض الكتاب، الذين كانوا وبشكل دائم يشعرون بتلك العظمة الفارغة وعقدة التفوق رغم تواضع التجربة. لهذا تجدهم يتحسسون من وجودهم فما بالك بالآخر، الآخر هنا ليس دون أو اقل قيمة على العكس من ذلك، إذا ما نظرنا بأننا من يعطي خطاب الكلام معناه، وإن طبيعة التلقي هي من يتحكم في مزاجنا التأويلي لهذا الخطاب أو ذك. لهذا سأعطي الحق الكامل للشاعر النبهان في التعبير عن وجهة نظره في الرواية متاهة زهرة وعمداً سأرجيء ذكر مؤلفها، لأن ما كتبه الناشر النبهان لم يكن يتقصد فيه المديح لشخص المؤلف، قلت ناشر، والناشر لايمكن له أن يجازف أو يعبث وبكل صراحة في مساحة الربح لديه، الربح في صورتها المادية والثقافية في آن، ولو فعل ذلك سيكون وبكل صراحة أحمق. كنت أتساءل وأنا أقرأ ما نشره النبهان حول الرواية، ترى.. ما المخيف في أن يعبر الناشر عن وجهة نظره بهذا الشكل آو ذاك؟ ما الذي أثار اعتراضات بعض المثقفين عليه؟ هل أخطأ النبهان عندما تحدث بأنه اختبر في مسعى ولادة الكتاب، وولادة كاتب جديد. النشوة التي تأتي بعد وضع آخر لمسة على الغلاف - حتى قبل الدفع به للمطبعة - والقلق الجميل، يشبهان تماماً النشوة والقلق عقب الانتهاء من نص جديد لي شخصياً... قبل أكثر من ثلاثة أشهر، الكلام هنا للنبهان أيضاً أرسل لي روايته الأولى، مرت مخطوطتها على أسماء مهمة في المشهد السردي في البحرين، منهم أمين صالح وفريد رمضان وحسين المحروس، وأعجبوا بها، وقال لي: هل تقبل مسعى بها؟ هذا السؤال الذي حمسني جدا لقراءتها، أن يعي الكاتب دور دار النشر في الرؤية للنص بعيداً عن المسائل التجارية، وكون مسعى قاسية في اعتماد النص الذي تتبنى نشره. ليس هكذا فقط، يضيف النبهان فمسعى تحتفي بأي كاتب شاب يشتغل على نفسه فكرياً وإبداعياً، تقلق معه في صناعة الكتاب، تنتشي بصدوره، وتضع كل طاقتها في إيصاله للقارئ .. هو يستحق منا أكثر من ذلك. لينهي حديثه بالإشارة إلى إن رواية متاهة زهرة للكاتب حسين عبدعلي - مكتفياً بحسب إشارته هذه - بجملة واحدة وضعها الناشر في الغلاف الخلفي واتفق عليها كل من قرأ مخطوطتها من الأسماء السابقة وغيرهم: إنها رواية ستعيد الاعتبار للمشهد السردي الجديد في البحرين ربما تكون هذه العبارة، هي ما أثار اعتراضات البعض من المثقفين واقلقتهم رواية ستعيد الاعتبار للمشهد السردي الجديد في البحرين لكنها لم تقلق لا الكاتب والروائي أمين صالح والروائي رمضان ولم تؤرق ليل الروائي المحروس ولم تفقده صوابه. ببساطة لأنها حكاية امرأة وقرية ووطن.. متاهة زهرة التي خبرت القرية، وضعها عبد علي في 236 صفحة من القطع المتوسط وتسعة عشر فصلاً مليئاً بالأحداث والحكايات والمتاهات كما يصفها الكاتب. المتاهة رواية تضج بالحياة كما تضج بالموت، حكاية عن البحرين، عن القرية في البحرين، عن المرأة في القرية في البحرين، تحكي عن أشخاص ينتبه لهم كل من عاش في تلك البيئات المغلقة، وتحكي عن أوجاعهم وهمومهم، زهرة ابنة القرية اليتيمة، ابنة القرية المشؤومة ابنة القرية التي ولدت دون أن تعرف، وكبرت دون أن تشعر، وأحبت دون أن تجرؤ، وأصبحت أماً دون أن تفهم جسدها، وماتت دون أن تدرك لماذا، زهرة التي نخفض رؤوسنا كلما سمعنا حكايتها التي تتغير وتتبدل في متاهات شتى، لكنها في كل مرة تبقى هي هي، حكاية القهر والسحق اليومي الذي لا ينتهي، الذي يمس كل جوانب حياتنا، وحياتها. زهرة هي ابنة القدر الذي يسوق حكاياتهم في حيواتنا دون أن نعي، فيقلبها كيفما يشاء. يقول الناشر في الغلاف الخلفي في متاهتها كتشف زهرة أسرار الحكاية بتفاصيلها، حكايتها وحكايات الآخرين، التي تتداخل مع بعضها البعض في لعبة فنية يجيدها حسين عبدعلي في أولى رواياته متاهة زهرة التي يستعيد فيها زمن القرية في البحرين بناسها وتفاصيل آلامها وأفراحها وطقوسها. زهرة حسين عبدعلي جاءت بمثابة دخول الأخير لعالم الرواية والسرد. يأتي ذلك من إيمانه أن الفواصل بين الأنساق الثقافية آخذة بالذبول والتلاشي، وأن ثمة تداخل رهيب بين الأنساق. وأن الاشتغال غير محكور على نسق معين، فكإنسان أنت ابن الفكرة، ابن القلق، ابن الهاجس الذي ينتظر الولادة والتشكل. قد تكون ولادته في عرض مسرحي، وقد يتشكل على هيئة صورة فوتوغرافية، وربما في فيلم قصير، وغيرها.. والضرورة الحتمية أن تكون ملماً ومحيطاً بالشكل الذي يختاره قلقك وهاجسك. أن تكون مدرك لقوانينه ومطّلع على تجارب الآخرين في النسق نفسه. زهرة ومتاهتها تمخضت عن رواية.