×
محافظة المنطقة الشرقية

التشهير بالفاسدين وتطوير الأنظمة رادع لضعاف النفوس

صورة الخبر

فاطمة بنت علي بن عبد الله كراي لا شيء غير النجاح في تخطي الصعاب والعراقيل والأخطار يقف أمام الحكومة المقبلة في تونس. وهي حكومة لا تزال اليوم قيد الجدل والمجادلة بين أطراف الحوار الوطني. منذ أسابيع قليلة، بدأت آليات الحوار الوطني، المرتكز على مشاركة أطراف سياسية، وأساسا الأحزاب، وكذا انخراط الأحزاب المكونة لما يسمى «الترويكا» الحاكمة، وهي النهضة (حزب إسلامي) والتكتل و«المؤتمر». ولقد تعثر لاحقا بفعل صعوبة اختيار رئيس الوزراء.. إذ تشهد تونس اليوم نوعا من المماطلة تعتمده الأطراف الحاكمة من أجل إدامة البقاء في الحكم وتهيئة مناخ سياسي ودستور، يضمنان إعادة إنتاج نفس الحاكمين الآن. وهذا رأي أغلب الملاحظين. لكن، والحالة على ما هي عليه اليوم، من غضب شعبي وخيبة آمال الشباب في ثورة لم يكن للأحزاب الحاكمة الآن فيها أي باع، تجعل هذا الوضع من ضرورة التوافق على تأليف «حكومة كفاءات وطنية» والخروج بتونس من عنق الزجاجة الذي تردت فيه، أمرا مؤكدا، نظرا إلى تراكم الأزمات، من اغتيالات سياسية إلى أزمة اقتصادية واجتماعية نتيجة غلاء الأسعار واستفحال البطالة، من دون إغفال المشهد السياسي والقانوني المرتبك، الذي لم يصل إلى بر الأمان من خلال إنهاء كتابة دستور جديد للبلاد انتخب من أجله منذ سنتين ونيف 218 نائبا. لكن كيف ستتعاطى هذه الحكومة الجديدة التي ستولد من رحم التوافق لا من موازين القوى، وستكون لا حزبية، تقف على نفس المسافة من كل الأحزاب التيارات الموجودة في تونس اليوم، بعد ثلاث سنوات من الثورة.. «ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011؟ أسئلة كثيرة وحارقة تنتاب المواطنين التونسيين اليوم، بخصوص أزمة بلادهم، التي ما راموا يوما وهم يخرجون إلى الشوارع في مظاهرات سلمية ضد الديكتاتورية وضد الظلم الاجتماعي والجهوي، ما راموا إذن أن تدخل بلادهم في نفق مأزوم ومظلم. الحكومة المقبلة التي تحوم حول رئيسها معلومات مطمئنة، لن تكون حكومة انتخابات، بل حكومة مراجعة جذرية لكل ما أقدمت عليه حكومتا السيدين حمادي الجبالي ثم علي العريض (عن حركة النهضة) من إجراءات في مستوى التعيينات بالإدارة التونسية. كذلك سوف تعمل الحكومة المقبلة على تحسين الأداء التفاوضي المالي مع المؤسسات المالية الدولية، بالإضافة إلى أنها ستكون حكومة مجبولة على إعادة تنقية العلاقات الدبلوماسية التونسية مع عدد من البلدان العربية، وخاصة منها التي بإمكانها أن تساعد تونس على تخطي الأزمة المالية. ذلك أن المؤاخذات السياسية والأمنية التي تواجه بها المعارضة حكومة السيد العريض ليست في اتصال يذكر مع المطالب الاجتماعية التي زادت تراكما خلال فترة العامين التاليين. الحكومة المقبلة قدرها النجاح وتخطي 80 في المائة من الصعاب التي طرأت على المشهد السياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي. ولن يكون أمامها من خيارات سوى التقدم إلى الأمام، خاصة إذا جاءت الشخصية الملائمة للمرحلة لقيادة الحكومة، وهي شخصية لا بد أن يكون لها نصيب مهم من الزعامتية (الكاريزمية) وقوة الإرادة في إدارة الشأن العام وإدارة الفريق الحكومي. سوف تنجح الحكومة المقبلة التي ستخلف حكومة العريض، لأن لها ميزة لا يمكن لأي حكومة أخرى أن تحصل عليها، وهي أنها ستأتي بعد جدل طويل في الزمن، وعميق في التصور والأهداف والمطالب، وتأتي بعد حل وفاقي، لا شأن للمصالح الحزبية فيه. ذلك أن الميزة الأخرى لهذه الحكومة هي أن أعضاءها كافة لن يترشحوا لأي انتخابات مقبلة، تشريعية كانت أم رئاسية أو حتى بلدية. كل هذه العوامل التي نعدها عوامل مباشرة، نتوقع أن تساهم بقدر كبير في إنجاح عمل الحكومة المقبلة. لكن سببا عميقا ومهما آخر نجده ماثلا أمامنا، ولا يمكن أن نغفله بحكم أنه سيكون محددا في نجاح الحكومة التونسية المقبلة، وهو سبب مرتبط بمبدأ الثورة أصلا، ثورة 14 يناير 2011، وذلك من حيث الظروف المتراكمة وتشابهها بين اليوم وأمس، التي حفزت الشعب التونسي بجل فئاته على الغضب، فالانتفاض، ثم الثورة. الأصل في الأشياء أن الثورة، أي ثورة، تكون مكسوة بأمرين اثنين: الأول، ويهم تلك الأحداث التي راكمها الناس، من ألم اجتماعي ومن تكميم للأفواه ومن ضرب للقضاء المستقل، وهذه كلها تعد عناصر تحفيز من أجل الوصول إلى الثورة. وإلى ساعة الثورة التي تؤرخ باليوم والسنة والساعة. كأن نعتبر في تونس مثلا أن يوم 14 يناير 2011 هو «يوم الثورة» رغم أن عملية المراكمة بدأت بشكل لافت منذ خريف عام 2008 في الحوض المنجمي بجنوب غربي تونس، وانطلقت شرارتها الاجتماعية - السياسية من دون انقطاع إلى «يوم الثورة» عندما أحرق محمد البوعزيزي نفسه يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2011. الأصل في التوصيف، توصيف الثورة، أنها تكون ولادة لحراك من أجل تحقيق أهدافها، فيبتعد القادة والقياديون عن المطالب الجزئية والصغيرة من أجل تحقيق الأهداف الكبرى، خاصة، وهم يفترض فيهم أن يتمثلوا الشهداء الذين ضحوا بدمائهم من أجل أن تثمر الانتفاضة والثورة. لكن الذي حدث في تونس أن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، التي شارك فيها 48 في المائة من الناخبين التونسيين طوعا وعن إرادة في تحقيق أهداف الثورة، أفرزت مجلسا تأسيسيا سرعان ما ولد حكومة عينها بوصفه مجلسا تشريعيا (برلمان) وليس بصفته التأسيسية، فكان الإحباط العام الذي ولد محطات احتجاج وعقلية حكمية لم تأخذ بعين الاعتبار استحقاقات الثورة. إذن، بتقويم بسيط لكنه سيكون مضنيا ومكلفا، ستعدل وفقه الحكومة المقبلة «بوصلة» أهداف الثورة، أتوقع أن توفق في الخروج بالبلاد من الأزمة ومن المأزق.. السياسي والقانوني معا. وعلى أي حال، فإن حراك السنتين من حكم «الترويكا» يمكن أن يدخل في باب الدربة والتدريب على الحوار السياسي والجدل بين الأطراف السياسية والفكرية من دون إقصاء. وكذلك تمكن الفرقاء السياسيون من التدرب على شروط واستحقاقات صياغة البرامج السياسية والاقتصادية لأحزابهم في علاقة مباشرة وجدلية مع الشعب، مواطنين ومواطنات. * إعلامية تونسية - رئيسة تحرير صحيفة «الشروق»