×
محافظة المنطقة الشرقية

الأخضر .. التغيير 90 دقيقة

صورة الخبر

جاء الحكواتي والراوي الجزائري المتجوّل (القوّال)، ماحي صديق، حاملاً حكايات وتجارب متنوّعة بين الجزائر وفرنسا وبلدان أخرى، للمشاركة في فعاليات ملتقى الشارقة الدولي للراوي، إذ تحفظ ذاكرته قصصاً منذ أيام الطفولة عندما كانت والدته تروي له ولأشقائه تلك الحكايات، التي لم يكن قادراً على أن يستمع لأي منها حتى النهاية، حيث يغلبه النعاس ويستسلم له. حفظ التراث الشعبي قال الحكواتي صديق: بنظري كفنان وممارس لفن الكلام منذ أكثر من ربع قرن، يجب الاهتمام بالفنان، أي الراوي، نظراً لأنه عنصر مهم في الرواية، وهو الذي ينقل الحكاية من جيل إلى جيل ومازلت أذكر في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، أحد شيوخ الشعر الشعبي في مدينتي سيدي بوالعباس، وهو على فراش الموت، وكنت أزوره برفقة بعض الأصدقاء، فكان يقول: (أسرعوا وسجلوه واكتبوه)، وكان يتحدث عن كل ما حفظه عن الشيوخ من شعر وأقاويل وأحداث وحكايات، ومات الشيخ ولم يسجل أحد منا تلك الذاكرة الحية. وقال صديق لـالإمارات اليوم، إن الحكاية لا تموت، فهي كالماء، تظهر أحياناً إلى السطح بكل قوة ووضوح ونقاء، وأحياناً أخرى تعود إلى باطن الأرض، وبالتالي فإن الحكواتي أو القوّال (كما نسميه نحن في الجزائر)، سيبقى، فالحكاية بدأت مع الإنسان ولا تنتهي إلا مع نهاية الإنسان، معتبراً أن الخطر ليس في اندثار الحكاية، بل في تحولها إلى نموذج فولكلوري فقط، بمعنى أن تصبح للفرجة وليس للاستمرار، فإن تحوّلت إلى فولكلور ماتت. وأشار القوّال الجزائري إلى أهمية وضرورة دعم أفكار ومبادرات ومنشورات الحكواتي و(القوّال)، وليس المقصود الدعم المالي، بل تمويل وترويج الفكرة أو المبادرة أو المشروع، سواء كان كتاباً للطبع، أو أي وسيلة أخرى تسهم في الحفاظ على الحكاية، وقادرة على إيصالها ونقلها من جيل إلى جيل. وحكى صديق أنه فتّح عينيه في هذه الدنيا على الاستقلال من استعمار بغيض جثم على صدر وثروات بلاده ما يزيد على 130 عاماً، وكان يعيش في حي شعبي بسيط في (سيدي بوالعباس)، وكان والده يعمل أحياناً وفي أحيان أخرى كثيرة لا يعمل، وكانت والدته تحكي لهم القصص في الليل على ضوء الشموع، خصوصاً في فصل الشتاء القارس، حيث لا تدفئة ولا كهرباء. وأضاف أنه لم يسمع أي قصة من والدته حتى النهاية، فقد كان ينام قبل انتهاء الحكاية، لكن ما إن كبر قليلاً وأصبح يذهب مع بقية الأطفال إلى الساحة العامة يحضر تلك القصص والحكايات من (القوّالين)، حتى تحضر صورة وصوت والدته وهي تروي له تلك الحكايات، لكنه هذه المرة يسمعها حتى النهاية. الراوية الأولى ولفت صديق إلى أن الساحة العامة في سيدي بوالعباس، كانت مليئة بالقوّالين المتخصصين، وبالتالي فإنك تذهب إلى القوّال الذي يعجبك أو تعجبك حكاياته، فكبرت وأنا مستمع جيد، وتعلمت مثل كثيرين من أبناء جيلي حسن الاستماع ودقة الإنصات من القوّالين، لأننا نريد أن نتعلم. وتابع: القصص والحكايات التي سمعتها من القوّالين سمعتها من والدتي التي سمعتها من والدتها، وجدتي سمعتها من والدتها.. وهكذا، فكانت المرأة هي الراوية الأولى والأساسية في البيوت، وتناقلت الحكاية عبرهن من جيل إلى جيل إلى أن وصلت إلينا، نحن جيل الإنترنت والتكنولوجيا ومختلف وسائل التواصل الحديث، الأمر الذي يفرض علينا أن نستفيد من هذه الوسائل الحديثة والمتطورة، ونوظفها في نقل الحكاية إلى الجيل الجديد. فنحن ملزمون بتمرير الحكاية إلى جيل الإنترنت. ويستطرد الحكاء الجزائري: لي حكايات انتشرت على موقع (اليوتيوب)، ولاقت استحساناً وتفاعلاً من قبل كثيرين تواصلوا معي بمختلف أشكال التواصل، وعبّروا عن رغباتهم في المزيد من هذه الحكايات، كما قمنا ببث حصة أسبوعية من موقعي بالجزائر إلى مراسلين في فرنسا يعملون في المحطة الإذاعية (راديو غزال) في كل يوم أربعاء لسنتين، وكانت تجربة جميلة جداً، إذ تمكنت من إرسال صوتي وحكاياتي والأساطير التي كانت روتها لي أمي، عبر الإنترنت لتصل إلى العالم والجماهير عبر الأثير، ما يعني أهمية توظيف التكنولوجيا والتقنيات الحديثة للتوثيق والأرشفة والتعريف بالقصص والحكايات الشعبية ونقلها إلى الأجيال الجديدة، من خلال هذه الوسائط الحديثة. وأكّد أن هذه التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مهماً في إنعاش فنون السرد الشفهي. ولفت إلى أنه في فترة سابقة استفدنا من التلفزيون والإذاعة في إيصال الحكاية، ومع كل هذه الوسائط ما عادت الحكاية محلية وما عاد القوّال محلياً، فقد طار من خلالها إلى فضاءات وجغرافيا بعيدة عن مكانه وبيئته ولاقت تفاعلاً. ملتقى الشارقة أكّد صديق أن ملتقى الشارقة الدولي للراوي يعدّ محطة رائدة وبارزة على مستوى العالم العربي، لتسليط الضوء على فنون السرد الشفهي وإنعاشه، ودفع عجلة تطور فن الراوي أو الحكواتي أو القوّال، لافتاً إلى أن هناك ملتقيات ومهرجانات عدة في مختلف العالم ذات صلة بهذا النوع من الفن، لكن جميعهاً تركز على الرواية والحكاية، وتتجاهل أحد أبرز العناصر، ألا وهو الراوي أو الحكواتي، الذي يحمل هذا التراث وهذا الرصيد الثقافي.